كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

48…كل لغط أو تشويش أو رفع صوت عن المسجد، حتى إنه ليهدد بتأديب رجلين رفعا صوتيهما في مسجد رسول الله، ولم يشفع لهما إلا كونهما غربيين عن المدينة (1).
ومن أجل تنزيه المسجد عن ذلك بنى مكاناً إلى جوار المسجد من الجهة الشرقية الجنوبية وسماها البطيحاء، وقال: من كان يريد أن يغلط، أو ينشد شعراً، أو يرفع صوته فليخرج إلى هذه الرحبة (2).
وكان عبد الله بن مسعود يمر بالشباب وهم يطلبون العلم فسر بهم، ويقول لهم: مرحباً بينابيع الحكمة، ومصابيح الظلمة، خلقان الثياب، جدد القلوب، حبس البيوت، ريحان كل قبيلة (3).
وكان عمر - رضي الله عنه - يجلس مع المسلمين، فيعلمهم ويذكرهم، وكان يستعمل معهم الطريقة الحوارية ليستخرج من العلم، ويثبت ما ليس عندهم في عقولهم، عن حذيفة ابن اليمان - رضي الله عنه - قال: كنا عند عمر فقال: أيكم سمع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يذكر الفتن؟ فقال قوم: نحن سمعناه، فقال: لعلكم تعنون فتنة الرجل في أهله وماله وجاره؟.
قالوا: أجل، قال: تلك تكفرها الصلاة والصيام والصدقة، ولكن أيكم سمع رسول الله يذكر التي تموج موج البحر؟ قال حذيفة: فأسكت القوم، فقلت: أنا، قال: أنت لله أبوك؟ قال حذيفة: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: ((تعرض الفتن كالحصير عوداً عوداً، فأي قلب أشر بها نكتت فيه نكتة سوداء، وأي قلب أنكرها نكتت فيه نكتة بيضاء، حتى يصير على قلبين: على أبيض مثل الصفاء فلا تضره فتنة ما دامت السماوات والأرض، والآخر أسود مرباداً كالكوز مجخياً، لا يعرف معروفاً، ولا ينكر منكراً إلا ما اشرب من هواه)) (4).
لقد سار عمر - رضي الله عنه - على هدى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فلم يعطل…
__________
(1) البخاري.
(2) مالك في الموطأ.
(3) جامع بيان العلم (1/ 25).
(4) مختصر مسلم (2/ 288 - 289).

الصفحة 48