كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

49…شيئاً بدأ به، ولم يغلق باباً فتحه، ولكنه كان متبعاً يسير على النهج، ويتمم ما بدأ به صاحباه.
لهذا فإنه - رضي الله عنه - أقر كل ما كان في عهد رسول الله، وبنى عليه، وزاد ما أدّاه إليه اجتهاده ووافقه عليه أصحابه، فبنى مكاتب التعليم ليكون له مكان مستقل بدلاً من المسجد، وأباح لتميم الداري - رحمه الله - أن يدرس في المسجد، ولم يكن ذلك من قبل (1)، ونقل عمر الدواوين، واتخذ نظاماً يسير عليه في الجانب العسكري والاقتصادي نقله عن الفرس والروم.
وهكذا أدخل كل علم يحتاج إليه المسلمون في تنظيم حياتهم، ولم ير بذلك بأساً، ولم يعترض عليه أحد من الصحابة.
مناهج التعليم
تكلمنا في الفصل الأول عن مناهج التعليم إجمالاً، وسنتناول بالتفصيل كل ما اجملته هناك لنتبين أنها كانت جامعة تنهض بالمسلمين، وترفع من مستواهم العلمي، وتخرج منهم أساتذة في العلم والسلوك، تفتدي بهم الأجيال اللاحقة فتسير على دربهم لتهتدي، ومنهج نهجهم لتصل إلى غايتها.
وكانت مناهج تلك المدرسة تضم كل ما يحتاج إليه الإنسان في دينه ودنياه كما أشرت إليه في الفصل السابق، وسيتضح من عرض هذه المناهج والكلام عليها أنها كانت سلسلة متصلة الحلقات يختل نظامها بفقد حلقة من حلقاتها، ولنبدأ بمنهاج العلوم الدينية:
أولاً - العلوم الدينية
لقد كان إقبال المسلمين على تحصيل العلوم الدينية إقبال الظمآن على الماء البارد، وليس في ذلك غرابة لأن العرب لم يشعروا بوجودهم الحقيقي…
__________
(1) الأوائل ص: 295.

الصفحة 49