50…إلا بعد أن اكرمهم الله بهذا الدين، ولم يعرفوا كيانهم إلا بعد أن وضع الإسلام أيديهم على عظم الرسالة التي حملوها.
ولقد كان العرب قبل الإسلام كمّاً مهملاً، واشباحاً لا حقيقة لها، فلم يكد الإسلام يطرق قلوبهم بمبادئه الخالدة وآدابه السامية حتى ادركوا سر وجودهم في هذه الحياة وأحسوا بعظم المسؤولية التي ناءت بها السماوات والأرض والجبال، وحملها بعد ذلك الإنسان.
لا غرابة إذن أن ينكب المسلمون على العلوم الدينية فينهلوا منها بالقدر الذي يطفئ ظمأهم، ويشفي غليلهم.
إن القرآن الكريم بنفحاته العجيبة، واسراره المدهشة، ونسقه المعجب، وتأثيره العميق قد ترك في نفوس العرب شوقاً إلى مصدر سره لا يهدأ، وظمأ إلى حقيقة نفحاته لا يروى، وتطلعاً إلى استيعاب عجائبه لا ينتهي.
والحديث الشريف بأسلوبه الأخاذ، ومعانيه الرائعة، وألفاظه الجزلة الرشيقة، ودلالاته الرقيقة الأنيقة قد حرك القلوب لتنهل من معينه، وتكتشف عجائب مكنونه.
إن المسلمين وقد علموا أن القرآن الكريم والسنّة المطهرة هما مصدرا التشريع، فقرروا أن يعكفوا على دراستهما، وأن يفنوا حياتهم في تحصيل معانيها، فمنها يؤخذ الفقه الذي هو مدار الأحكام الشرعية، وغيرهما من العلوم تبع لهما.
جد الصحابة - رضي الله عنهم - في فهم الكتاب والسنة، وتنافسوا في تحصيل معانيها وما يمكن أن يترتب على تلك المعاني من العلوم، ونشأ عن ذلك التنافس والحرص ظهور عقليات فذة، وعبقريات نادرة انفردت كل منها بميزات وخصائص، جعلت من مجموعهم إطاراً عاماً من خلاله صورة الدين الجديد وضيئة ناصعة.
متكاملة رائعة.
فقد برز منهم قضاة أدهشوا علماء القانون بأحكامهم التي أصدروها…