51…فيما عرض عليهم من القضايا، روى عبد الرزاق والبيهقي أن عمر عرضت عليه قضية امرأة زنت، وكانت حبلى فأمر برجمها فأشار معاذ بن جبل بحبسها حتى تضع، ووقعت إشارة معاذ بن جبل بحبسها حتى تضع، ووقعت إشارة معاذ من نفس عمر موقعها فأدرك عمر ما كان سيقع فيه من خطأ في الحكم لأنه لو تم رجمها وهي حامل سيموت معها جنينها، عندئذ قال عمر: عجزت النساء أن تلدن مثل معاذ، ولولا معاذ لهلك عمر (1).
والمتأمل لرأي معاذ - رضي الله عنه - يرى فيه فقهاً نادراً، فقد أدرك بعقله القضائي، وفقهه المستنير أن عمر - رضي الله عنه - أوشك أن يقتل نفساً بغير حق، إن ذلك الجنين الذي تحمله تلك المرأة بين أحشائها بريء لم يفعل ما يستحق عليه القتل، فلماذا يذهب ضحية هذا الحكم؟.
فاستدرك معاذ وأشار بحبسها حتى تضع جنينها، وأدرك عمر ما أنقذه الله به على يد معاذ البصير الفقيه القاضي فقال ما قال.
كذلك كان علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - ذا عقل قضائي ملهم، وكان أخبر بطرق التحقيق التي يكتشف عن طريقها الحق ويقضي به، حتى كان يفرق بين الشهود، ويسال كل واحد منهم على حده ليتضح له الأمر، ويحكم فيه على ضوء ما وصل إليه من التحقيق، روى ابو هلال أن قوماً خرجوا في خلافة على سفرا فقتلوا بعضهم، فلما رجعوا طالبهم علي بمن قتلوه، وأمر شريحاً بالنظر في أمرهم بإقامة البيَّنة، ولكن علياً - رضي الله عنه - لم يعجبه تصرف شريح في التحقيق فقال: أوردها سعد وسعد مشتمل ما هكذا تورد يا سعد الإبل وتولى هو التحقيق بنفسه ففرق بين المتهمين، وسألهم فاختلفوا، فلم يزل بهم حتى أقروا فقتلهم (2).
وقد ثبت له من الآراء الصحيحة في القضايا المعقدة ما جعله مضرب…
__________
(1) التراتيب (2/ 419)، الإصابة (3/ 427).
(2) الأوائل ص: 168.