كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

52…المثل حتى قالوا فيه (قضية ولا أبا حسن لها).
إن المثال السابق يدل على عبقرية علي - رضي الله عنه - وفقهه لما يجب أن يدور عليه التحقيق في القضايا التي ليس عليها شهود إثبات، إن التحقيق مع المتهمين متواجهين يؤدي إلى اجتماعهم على قول واحد، ويذكر بعضهم بأشياء قد نسبها مما اتفقوا على القول به حتى يخرجوا من التهمة أبرأ من الذئب من دم يوسف - عليه السلام - ويوحي لهم بما يجب أن يقولوا حتى لا تثبت عليهم التهمة.
أدرك عليّ ذلك كله فعمد إلى التفريق بين المتهمين حتى يسمع من كل منهم على انفراد ويدرك مدى الاختلاف بينهم في الأقوال، فتبين له الحق فيقضي به.
وكان من الصحابة - رضي الله عنهم - فقهاء أدركوا أسرار التشريع، وحرصوا على أن تكون آراؤهم مستمدة من القرآن الكريم، ومن السنة الشريفة، ونبغ فيهم عبد الله بن عمر وعبد الله بن عباس وغيرهم وكان لهؤلاء تلاميذ يتبنون آراءهم ويحملون فقههم.
وكان منهم المفسرون الذين وقفوا في فهم معاني القرآن العظيم، وعلموا من أسباب النزول ما أنار لهم الطريق في فهمه على أكمل وجه، كعبد الله بن عباس الذي كان يلقب بترجمان القرآن، وعبد الله بن مسعود الذي كان يقول: ولا أعلم أحداً أعلم بكتاب الله مني إلا رحلت إليه، وما في كتاب الله سورة ولا أحداً أنكر ذلك عليه (1).
ومنهم أُبَيَّ بن كعب الذي قال له الرسول - صلى الله عليه وسلم - إن الله أمرني أن أقرأ عليك (2) ومنهم زيد بن ثابت الذي جمع القرآن في عهد أبي بكر - رضي الله…
__________
(1) الاستيعاب (2/ 321).
(2) الإصابة (1/ 19).

الصفحة 52