كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

55…عظيمة، من الأحاديث الشريفة التي تعتبر تفسيراً للقرآن الكريم أو إنشاء لأحكام لم ترد في القرآن أو توضيحاً لمعنى مبهم أو تفضيلاً لمجمل أو تقييداً لمطلق.
ولولا الأحاديث لضاع كثير من الأمور التي لم يعرف إلا عن طريقه كعدد ركعات الصلاة وأوقاتها وماذا يقال فيها؟ ومقادير الصدقات ومن اي الأصناف تخرجها؟ وأركان الحج وكيف نؤديها؟ إلى غير ذلك من الأمور التي لا يمكن معرفتها إلا بمعرفة الحديث الشريف.
فالمحدثون إذن هم أصحاب ذلك الدور العظيم الذين حفظوا بجهودهم نصف الدين من الضياع، وصانوه من التحريف، ولقد أدرك الصحابة قيمة ما يؤدون للدين من الخدمات عن طريق حفظ الحديث والدقة في روايته، فبذلوا قصارى جهدهم في حفظه وضبطه، ولم يكن لهم سوى عقولهم يعتمدون عليها في حفظ تلك الثروة العظيمة، وبخاصة وقد نهاهم الرسول - صلى الله عليه وسلم - عن الكتابة حتى لا يختلط الحديث بالقرآن.
وكان أبو هريرة - رضي الله عنه - أكثر الصحابة رواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقد أحصى ما رواه فإذا هو 5274 حديثاً (1)، وكانت عائشة - أم المؤمنين - رضي الله عنها تلي أبا هريرة في كثرة الرواية حيث أحصوا لها ما يزيد على ألفين ومائتي حديث، وكان لعبد الله بن عمر وأنس بن مالك ما يقرب من ذلك، وأما جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس فقد روى لكل منهما أكثر من ألف وخمسمائة حديث (2).
ويعتبر علماء الحديث هؤلاء الستة أكثر الصحابة رواية عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بهذا الترتيب، وغننا لنرى الفرق كبيراً بين عدد ما روى أبو هريرة وبين ما روت السيدة عائشة إذ تبلغ زيادة أبي هريرة أكثر من ثلاثة آلاف حديث.
ولقد كانت تلك الكثرة في حديث أبي هريرة مثار أخذ ورد، وجذب…
__________
(1) الإصابة (4/ 205).
(2) فجر الإسلام ص: 218.

الصفحة 55