56…وشد عرضته - رضي الله عنه - للاتهام من كثير من الكتاب مسلمين وغير مسلمين، وقالوا عنه ما هو منه براء، ويبدو أن الكلام في هذا الموضوع ليس جديداً، لأننا نلمس من كلام أبي هريرة ما يفيد أن بعض الصحابة شك في حديثه، ولم يسلم به.
روى مسلم في صحيحه أن أبا هريرة قال: (يقولون إن أبا هريرة قد أكثر - والله الموعد - ويقولون: ما بال المهاجرين والأنصار لا يحدثون مثل أحاديثه وسأخبركم عن ذلك: إن إخواني من الأنصار كان يشغلهم عمل أرضيهم، وأما إخواني من المهاجرين فكان يشغلهم الصفق بالأسواق، وكنت ألزم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ملءِ بطني فأشهد إذا غابوا، واحفظ إذا نسوا).
وفي البخاري عن أبي هريرة قلت: يا رسول الله، إني لأسمع منك حديثاً كثيراً أنساه، فقال: ((أبسط رداءك)) فبسطه، ثم قال: ((ضمه إلى صدرك)) فضممته، فما أنسيت حديثاً بعد.
وفي هذين الحديثين يبن أبو هريرة - رضي الله عنه - السبب في أنه كان أكثر الصحابة جمعاً للحديث ويكشف السر الذي من اجله كان أحفظ أصحابه له، ولقد بلغ استكثاره من الحديث أن شك فيه عبد الله بن عمر - رضي الله عنه - حين عرض عليه حديث أبي هريرة أن من اتبع جنازة فصلى عليها فله قيراط، فقال ابن عمر: أكثر علينا أبو هريرةو.
وذهب ابن عمر إلى أم المؤمنين عائشة، فسألها عن الحديث فصدقت أبا هريرة، فقال ابن عمر: لقد فرطنا في قراريط كثيرة (1).
من هذا نعلم أن إثارة الشبهة حول أبي هريرة والطعن فيه، والتقول عليه، إرجاف لا أصل له، وخوض في أمر لا ينبغي للمحقق الخوض فيه، واتهام بالباطل لمن لم تثبت إدانته، حيث ثبت في الصحيح أنه كان متفرغاً لجمع الحديث في الوقت الذي شغل عنه غيره من الأصحاب، وأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قد خصه بما يستطيع به أن يحفظ عنه ولا ينسى، فلا يستبعد حينذٍ أن…
__________
(1) الإصابة (4/ 208).