كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

57…يكون عنده من الحديث ما لا يكون عند غيره، وأن يجمع من الحديث ما لا يتمكن غيره من جمعه، ولا مجال بعد ذلك لمشكك أو مثير فتنة.
ويعتبر الحديث أوسع أنواع العلوم الدينية باباً، وأفسحها ميداناً، حيث تفرعت منه علوم كثيرة كالسيرة والتاريخ، والفقه والتشريع، وترجمة الرجال وفضائل الأمم وقد عقدت لكل هذه الفنون فصول خاصة في كتب الحديث الصحيحة، ثم تطورت حتى أصبحت علوماً مستقلة.
وما عرضناه في هذه الصفحات يتضح أنه كان في عهد رسول الله والخلفاء الراشدين حركة علمية أساسها العلوم الدينية، وأن هذه العلوم كانت هي الأصل الذي عكف على دراسته المسلمون الأولون لشعورهم بأن الإسلام يوجب عليهم معرفة أصول الدين والتمكن منها عن طريق كتاب الله وسنّة رسوله - صلى الله عليه وسلم.
ثانياً - علوم العربية
وفي هذا العصر ارتفعت بعض الأصوات بتدوين قواعد اللغة العربية.
يذكر المؤرخون منها الإمام علي بن أبي طالب وأبو الأسود الدؤلي.
يقول أبو الأسود الدؤلي: دخلت على أمير المؤمنين علي بن أبي طالب فرأيته مطرقاً مفكراً، فقلت: فيم تفكر يا امير المؤمنين؟ قال: إني سمعت ببلدكم هذا لحناً فأردت أن أضع كتاباً في أصول العربية.
قال: ثم أتيته بعد ثلاث، فألقى إليَّ صحيفة فيها باسم الله الرحمن الرحيم.
الكلام كله اسم وفعل وحرف: فالاسم ما انبنى على مسمى والفعل ما انبنى على معنى، والحرف ليس باسم ولا فعل، ثم قال لي: تتبعه، وزد فيه ما وقع لك.
واعلم يا أبا الأسود أن الأشياء ثلاثة ظاهر ومضمر وشيء ليس بظاهر…
__________
(1) التراتيب الإدارية (2/ 272).

الصفحة 57