58…ولا مضمر وإنما يتفاضل العلماء في معرفة ما ليس بظاهر ولا مضمر.
قال أبو الأسود: فجمعت منه أشياء عرضتها عليه، فكان من ذلك حروف النصب، فذكرت منها؛ إن ولَيتَ ولَعلَّ وكأنَّ، ولم أذكر لكِنَّ، فقال لي: لم تركتها؟ فقلت: لم أحسبها منها، قال: بل هي منها فزدها فيها.
ويروي أبو علي القالي عن أبي العباس المبرد قال: أول من وضع العربية، ونقط المصاحف أبو الأسود الدؤلي، وقد سئل أبو الأسود عمن نهج له الطريق فقال: تلقيته عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه (1) - ويقول العسكري: سمع أبو الأسود رجلاً يقرأ (إن الله برئ من المشركين ورسوله) - بكسر رسوله - فقال: لا يسعني إلا أن اصنع شيئاً أصلح به، نحوَ هذا، فوضع النحو (2).
وهكذا نرى أن أيا الأسود هو الذي وضع مبادئ هذا العلم، وأبو الأسود كان من أصحاب أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وعلى هذا يكون هذا العلم قد نشأ في عصر الخلفاء الراشدين.
ولقد ذكر بعض المؤرخين أن النحو وضع في عهد بني أمية وان زياداً هو الذي أمر أبا الأسود بوضعه، وذلك عندما دخل عليه رجل بالبصرة فقال: أصلح الله الأمير توفي أبانا وترك بنون؟ وقال: ادع أبا الأسود، فقال: ضع للناس الذي نهيتك أن تضعه لهم (3).
وإذا صحت تلك الرواية فإنها لا تخرج الموضوع عن حقيقته من كونه وضع في عهد الخلفاء لأن تضافر الروايات الكثيرة على أنه وضع في عصر علي - رضي الله عنه - تجعلنا تقطع بأنه على الأقل قد بدئ في وضعه في ذلك الزمان، ثم استمر يتم شيئاً فشيئاً حتى اكتمل وصار علماً له قواعده وأصوله التي يدرس عليها.
…
__________
(1) الإصابة (2/ 242)
(2) الأوائل ص: 296 والآية سورة التوبة: 3
(3) الأوائل ص: 296