59…ويؤكد هذا أن أبا الأسود كان يضع في كل مناسبة ما يرى الناس في حاجة إليه فقد رووا أن ابنة أبي الأسود قالت له يوماً: ما أشدُّ الحر؟ فقال لها ما نحن فيه - وقد كان في شدة الغيظ - فقالت: إنما أردت أنه شديد، فقال: قولي: ما أشدَّ الحر وعلى أثر ذلك عمل باب التعجب.
وقالوا: إنه مر به رجل فارس ملحن، فوضع باب الفاعل والمفعول، يقول ابن حجر -رحمه الله- فلما جاء عيسى بن عمر تتبع الأبواب، فهو أول من بلغ الغاية فيه (1).
وكان الشعر أحد الفروع التي اهتم بها المسلون في ذلك الزمان من علوم العربية حتى كان كثير من الصحابة - رضي الله عنه - يعتنون بحفظ الشعر ويحثون عليه ومنهم ابن عباس وأم المؤمنين عائشة، وغيرهما، وكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يضرب أولاده إذا فرطوا في ذلك (2).
وكان لرسول الله -صلى الله عليه وسلم- شعراء يردون عنه هجاء الهاجين، ويدافعون عن الديم ويمدحون المسلمين، ومن أشهرهم حسان بن ثابت الخزرجي الأنصاري، روى أبو داود عن عائشة -رضي الله عنها- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- كان يضع لحسان المنبر في المسجد يقوم عليه قائماً يهجو اللذين كانوا يهجون النبي، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن روح القدس مع حسان ما دام ينافح عن رسول الله (3).
وظل حسان ينشد الشعر في مسجد رسول الله حتى خلافة عمر، فقال له عمر: أتنشد الشعر في مسجد رسول الله؟ فقال حسان: لقد أنشدت فيه وفيه من هو خير منك، ثم التفت إلى أبي هريرة فقال: أنشدك الله، أسمعت النبي -صلى الله عليه وآله وسلم- يقول: ((أجب عني، اللهم أيده بروح القدس؟)) قال: نعم (4).
…
__________
(1) الإصابة (2/ 242).
(2) التراتيب (2/ 299).
(3) الإصابة (1/ 326).
(4) متفق عليه.