كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

60…والرسول -صلى الله عليه وسلم- وإن لم يكن شاعراً، وما كان ينبغي له أن يكون شاعراً، إلا أنه كان يطرب للشعر، ويهش للشعراء، قدمت الخنساء بنت عمرو ابن الشريد مع قومها على النبي-صلى الله عليه وسلم- فأسلمت معهم، وكان الرسول يستنشدها ويعجبه شعرها، وكانت تنشده وهو يقول: هيه يا خناس ويومئ بيده (1).
ولما قتل -صلى الله عليه وسلم- النضر بن الحارث يوم بدر أنشدته ابنة النضر -قتيلة- شعرها المشهور الذي قالت فيه:
أمحمد ولدتك خير نجيبة ... في قومها والفحل فحل معرق
ما كان ضرك لو مننت وربما ... مَنَّ الفتى وهو المغيظ المحنق
فالنضر أقرب من أسرت قرابة ... وأحقهم إن كان يعتق مُعتِقِ
فلما سمع رسول الله الشعر رق لها وبكى، وقال: لو بلغني شعرها قبل أن أقتله لعفوت عنه (2).
والقرآن الكريم وإن ندد بالشعر والشعراء إلا أنه استثنى منهم المؤمنين الصالحين؛ أتى قريظة بن كعب وعبد الله بن رواحة وحسان بن ثابت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقالوا: إنا نقول الشعر، وقد نزل قوله تعالى: (والشعراء يتبعهم الغاوون، ألم ترَ أنهم في كل وادٍ يهيمون وأنهم يقولون ما لا يفعلون، إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وذكروا الله كثيراً، وانتصروا من بعد ما ظلموا) (3).
فقال لهم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أقرأوا، فقرأوا (والشعراء يتبعهم الغاوون) حتى بلغوا قوله -تعالى: (إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات) فقال: أنتم هم (وذكروا الله كثيراً) فقال: أنتم هم (وانتصروا من بعد ما ظلموا) فقال: أنتم هم (4).

__________
(1) الاستيعاب (4/ 295)، والإصابة (4/ 287).
(3) الشعراء: 224 - 227.
(2) الاستيعاب (4/ 391)، الإصابة (4/ 389).
(4) فتح القدير (4/ 123).

الصفحة 60