كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

62…وكلما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعجب بالشعر ويطرب لسماعه، بل وكان يردده مع أصحابه في كثير من الأحيان، كان الخلفاء الراشدون كذلك.
فأبو بكر -رضي الله عنه- كان يحفظ ما ينشد أمامه من الشعر ويعيه، ولما جاء عباس بن مرداس إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال له الرسول: أنت القائل: أتجعل نهبي ونهب العبيد الأقرع وعيينة؟.
فقال أبو بكر مصححاً ما وقع من خطأ في البيت: بين عيينة والأقرع.
وكذلك كان عمر --رضي الله عنه- يعجبه الشعر ويهتزله روى أن قثم ابن نويرة أخا مالك بن نويرة لما حضر إلى المدينة يشكو خالداً للخليفة أنشد عمر شعراً رثى به أخاه مالكاً حتى بلغ قوله:
وكنا كندماتنَيْ جذيمة حقبة ... من الدهر حتى قيل لن يتصدعا
فلما تفرقنا كأني ومالكا ... لطول اجتماع لم نبت ليلة معا
فقال عمر: هذا والله التأبين، ولوددت أني أحسن الشعر فأرثي أخي زيداً بمثل ما رثيت به أخاك (1).
ومما أثر عن عمر أنه كان يكره اللحن ويعاقب عليه، لأن فيه تضييعاً للمعاني وتلبيساً على السامع؛ روى ابن الأنباري أن كاتب أبي موسى الأشعري كتب إلى عمر -رضي الله عنه- (من أبو موسى) فكتب عمر إلى أبي موسى، إذا أتاك كتابي هذا فاضرب كاتبك سوطاً وأعزله عن عمله، وكان إذا سمع رجلاً يخطئ فتح عليه، فإذا أصر على لحنه بالدرة، وكذلك ابنه عبد الله يضرب ولده إذا لحن في القرآن (2).
وأما علي بن أبي طالب فكان فحلاً لا يبارى في الشعر، ولشهرته فيه وصيته الذي ذاع في كل مكان نُسِب إليه كثيرٌ مما ليس له فيه يد من الشعر والنثر، ولكن ذلك لا يمنع من عده ضمن فحول الشعراء في ذلك الحين.
__________
(1) الصديق أبو بكر ص: 161.
(2) التراتيب (2/ 315).

الصفحة 62