63…قال الشهاب البريير: الصحابة كانوا معدن الشعر ومنبعه، وكان أشعرهم الخلفاء الأربعة (1) ولا نستطيع أن نسلم بالفقرة الأخيرة من كلام الشهاب (وكان أشعرهم الخلفاء الأربعة) ذلك لأن الخلفاء الراشدين -رضوان الله عليهم- كان عندهم ما يشغلهم عن قول الشعر بله أن يبرزوا فيه فيكونوا أشعر الصحابة، على أننا لم نعثر لأحد منهم على قصائد طوال، وإنما هي الأبيات يعبر عنها عن معنى في نفسه، فكيف يكونون أشعر الصحابة؟.
وليس إقلالهم من الشعر منقصة في حقهم، ولا إخراجهم من بين الشعراء مرة واحدة تنزيلاً من مكانتهم، فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يعرف الشعر بل ولا يحسن إعادة ما سمع منه، ومع ذلك فهو أعلى الناس قدراً وأعظمهم ذكراً.
ومما يدل على ذلك ما رواه ابن عبد البر، وذكره الخزاعي في الدلالات السمعية من أن المسلمين ذهبوا إلى علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- وطلبوا منه ان يرد على المشركين هجاءهم، فقال: إذا أذن لي الرسول فعلت، فقالوا: يا رسول الله ائذن له، فقال -صلى الله عليه وسلم-: ((إن علياً ليس عنده ما يراد في ذلك منه)).
ثم قال: ((ما يمنع القوم الذين نصروا الله بسلاحهم أن ينصروه بألسنتهم؟)) قال ابن سيرين: وانتدب لهجو المشركين ثلاثة من الأنصار: حسان بن ثابت، وكعب بن مالك، وعبد الله بن رواحة (2).
ألست ترى معي أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لم يرَ في شعر علي -رضي الله عنه- وهو اشعر الخلفاء، ما ينبغي في هجو المشركين؟ أو ليس في انتدابه ثلاثة من الأنصار لهذا الأمر ما يدل على أنهم كانوا أشعر من غيرهم، ولو كان في شعر أحد الخلفاء الأربعة غناء لانتدبه الرسول لذلك؟؟.
ونحن بذلك لا نغمط الخلفاء الأربعة حقهم في هذا الميدان، فإننا…
__________
(1) التراتيب (1/ 211).
(2) التراتيب (1/ 210).