كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

64…نلمس في شعرهم مع قلته قوة الإيمان، ورقة الألفاظ، وغزارة المعاني، وروعة التصوير، ودقة التركيب وعذوبة الفكرة، وسنعرض هنا نماذج من الشعر إتماماً للفائدة.
1 - من قول أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- في قصة الهجرة:
قال النبي -ولم أجزع- يوقرني ونحن في سدف ظلمة الغار (1)
لا تخش شيئاً فإن الله ثالثنا وقد توكل لي منه باظهار
وإنما كيد من تخشى بوادره كيد الشياطين كادته لكفار
والله مهلكهم طرا بما كسبوا وجاعل المنتهى منهم إلى النار
وأنت مرتحل عنهم .. ومرتحل إما غدواً وإما مدلج سار
وهاجر أرضهم حتى يكون لنا قوم عليهم ذوو عزٍ وأنصار
حتى إذا الليل وارتنا جوانبه وسد من دون من تخشى بأستار
سار الأريقط بهدينا وأينقه ينقبن بالقوم نعبا تحت أكوار
يسعفن عرض الثنايا بعد أطولها وكل سهب رقاق الترب موّار
وله -رضي الله عنه- يصف صدود المشركين عن الإسلام ويهددهم.
أمن طيب سلمى بالبطاح الدمائث أرقت، وأمر في العشيرة حادث
ترى من قريش فرقة لا يصدها عن الكفر تذكير ولا بعث باعث
رسول أتاهم صادق فتكذبوا عليه وقالوا: لست فينا بماكث
إذا ما دعوناهم إلى الحق أدبروا وهروا هرير المحجرات اللواهث (2)
فإن يرجعوا عن كفرهم وعقوقهم فما طيبات الحل مثل الخبائث
وإن يركبوا طغيانهم وضلالهم فليس عذاب الله عنهم بلابث (3) …
__________
(1) يوقرني: يهدؤني، والسدف جمع سدفة أي الظلمة.
(2) المحجرات اللواهث: الكلاب.
(3) القصيدة الأولى ذكرها السهيلي في الروض الأنف (2/ 6 - 7)، وأما القصيدة الثانية فقد ذكرها ابن هشام في السيرة وابن كثير في البداية، وذكر ابن هشام أن أهل العلم ينكرونها لأبي بكر (2/ 171).

الصفحة 64