كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

69…وهذه العلوم عرف منها قديماً التاريخ والجغرافيا والتربية والاجتماع، وهي إن كانت لم يطلق عليها هذه الأسماء، ولكن حقيقتها ومادتها كانت موجودة ويتعلمها الناس وإن لم يعرفوا لها هذه الأسماء.
وأما علم النفس فهو مادة جديدة في موضوعها كعلم له امتدادات متعددة وبحوث مختلفة، وقد يكون المسلمون عالجوه في ناحية معينة كالتربية والتعليم، ولكنهم لم يعرفوه بهذه الأساليب التي عرف بها في العصر الحديث.
عرف المسلم علم التاريخ وأخبار الأمم السابقة، وكان لديهم فيه أوثق المصادر وأصدقها، فالقرآن الكريم تناوله بأسلوب أخاذ شوق النفوس، وحرك العواطف إلى معرفة أحوال الأمم التي تعرض لها، فقد تكلم عن آدم وحواء وبين بأسلوب رائع كيف خلق كل منهما، وتناول قصة الصراع الأبدي بين الإنسان والشيطان، وضرب المثل لاعتداء الإنسان وبغيه في قصة ابني آدم (1).
وتكلم عن نوح وما عاناه من قومه، وبين المدة التي مكثها فيهم، ثم أمره بصنع الفلك ونص على اشتهزائهم به وسخريتهم منه، وحكى قصة الطوفان، وذكر نجاة المؤمنين وهلاك الطغاة الكافرين (2).
وهكذا تناول قصة إبراهيم وهود وصالح ويوسف وموسى وعيسى، قص علينا ذلك كله بأسلوب لا يرقى إليه شك، خالياً من خيال الشعراء، متجرداً عن أوهام القصاص فوقف المسلمون على أحوال هذه الأمم وكأنهم يرونهم بأعينهم لدقة التصوير، وبراعة التعبير وبين للمسلمين الغاية الحقيقة من دراسة التاريخ.
إن الغاية الحقيقة من دراسة التاريخ هي اتخاذ العبرة، والاستفادة من تجارب السابقين (لقد كان لكم عبرة لأولي الألباب) (3) والغاية…
__________
(1) راجع سورة البقرة والنساء والمائدة.
(3) يوسف: 111.
(2) سورة هود.

الصفحة 69