كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

70…الحقيقة من دراسة التاريخ هي تثبيت المؤمنين على الحق الذي اعتنقوه، والاهتداء به للتمييز بين الحق والباطل (وكلا نقص عليك من انباء الرسل ما نثبت به فؤادك، وجاءك في هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمينن) (1).
ليست دراسة التاريخ إذن للتسلية، ومن اتخذها كذلك فهو عابث، وليست دراسة التاريخ للاستمتاع بما فيه من ملح وطرائف ومن فعل ذلك فهو لاهٍ وإنما دراسة التاريخ تكون لما ذكرناه سابقاً، حتى نستطيع على ضوء هذه الدراسة الجادة النافعة أن نقف على أسباب نهوض الأمم وانحطاطها، ونعرف مصادر قوتها وضعفها، ونستفيد من تجاربها وخبراتها، وهذا كله هو ما وجهنا إليه القرآن الكريم وهو يقص علينا أحسن القصص.
ومن أجل الاستفادة بما في التاريخ من عبر، ومن اجل الوقوف على الحقائق التي لا بدّ من معرفتها لتجنب الأخطاء، وعدم الوقوع فيها أباح الرسول -صلى الله عليه وسلم- للمسلمين أن يحدثوا عن بني إسرائيل، ورفع الحرج عنهم في التحديث بما يستفيد منه الناس ما يعينهم على الحق، ويهديهم إلى وسائل الشجاعة والبأس، ويستعينون به على معرفة أحوال الأمم السابقة بما كان عليه أهلها من الخير ويجتنبوا ما وقعوا فيه من الشر.
قال -صلى الله عليه وسلم-: ((بلغوا عني ولو آية، وحدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، ومن كذب عليَّ متعمداً فليتبوأ مقعده من النار)) (2).
ومن المعلوم أن التحديث عن بني إسرائيل لن يكون في نقل أحكام شرعية ففي ديننا غناء ومستع، ولكنه سيكون في أخبار السالفين التي تنطوي على العبر والمواعظ المستحسنة وكان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحدث أصحابه عن بني إسرائيل وعن أصحاب عيسى وما جرى لهم مع أقوامهم، كحديث بني إسرائيل والأقرع والأبرص (3)، وحديث أهل الرقيم (4) والرجل الذي قتل تسعة…
__________
(1) هود: 120.
(2) رواه البخاري.
(3) متفق عليه.
(4) رواه البخاري ومسلم.

الصفحة 70