كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

74…وهذه حجة وجيهة لها قيمتها، وبخاصة لدى نقاد الأدب، فهو يقولون أن هذا الأسلوب في الكتابة لم يعرف إلا بعد عصر الراشدين بدهر طويل، ويؤيد الأستاذ محمد حسين هيكل هذا النقد، ويدعوا إلى تأييده حين يقول: ولعل القارئ يشارك أصحابها -يعني أصحاب فكرة النفي - في رأيهم متى اطلع في بقية هذا الفصل على الكتب التي تبودلت بين الخليفة وابن العاص خاصة بالجزية والخراج (1).
على أن الأستاذ هيكل حين ينفي نسبة الكتاب إلى عمر بن العاص إنما ينفي نسبة الألفاظ والأسلوب فقط دون المعنى، فهو يثبت المعنى، ويصر على إثباته بطريقة تجعل القارئ يحسّ باهتمامه وحرصه على إثبات المعنى لعمرو بن العاص.
يقول الأستاذ هيكل: لكن هذه الحجة إن نفت نسبة ألفاظ الكتاب إلى عمرو، فهي لا تنفي أنه كتب إلى الخليفة يصف مصر، فحرص الخليفة على معرفة مصر وصفتها لم يكن أقل من حرصه على معرفة القادسية وما يحيط بها، والعراق وسدوده ومدنه.
وأكبر ظننا أن عمرأً كتب هذا الوصف بأسلوبه هو، وأنه بلغ غاية الدقة فيه ثم تناوله أديب متأخر فصاغه في هذا الأسلوب الذي أثبته المؤرخون، وأثبتناه هنا (2).
والحقيقة أن القلب يميل إلى نفي نسبة هذا الكتاب إلى عمرو بن العاص -رضي الله عنه- لا لأن أسلوبه الرشيق وما فيه من المحسنات لم تعرف في الكتابة في ذلك العصر، فكثرة من كلام العرب وشعرهم عرفت فيه هذه الرشاقة، وأجمل منها، وظهرت فيه المحسنات بأروع منذ لك، وهل عرف أصحاب هذا الفن المحسنات إلا من كلام العرب واستعمالاتهم لها؟، كل الذي انفردوا به هو تسمية هذه المحسنات بأسمائها من سجع وجناس وتورية إلى غير ذلك.

__________
(1) الفاروق عمر (2/ 165).
(2) نفسه.

الصفحة 74