كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

75…وفوق ذلك فإن عمرو بن العاص كان معروفاً بالبلاغة في الكلام، وقوة الحجة والبيان حتى أن عمر بن الخطاب كان إذا رأى الرجل يتلجلج في كلامه يقول: أشهد أن خالق هذا، وخالق عمرو بن العاص واحداً (1).
ولهذا فإن رشاقة الكتاب واشتماله على كثير من المحسنات لا يكفي لنفي نسبته عن عمرو بن العاص.
وكذلك ليس أسلوب الخطابات المتبادلة بين عمرو وعمر -رضي الله عنهما- كافياً في نفي الكتاب، لأن الخطابات والكتب المتبادلة بينهما تعتبر خطابات رسمية تحتاج في صياغتها إلى الأسلوب الموجز المفيد، وليست في حاجة إلى التنسيق والتزويق، وأما رسالتنا هذه فهي في الوصف، وموضوعها يستدعي هذا الأسلوب الأنيق، ويستوجب الأسباب والتشويق حتى يبدو الموصوف للقارئ، كأنه يشاهده على التحقيق؟.
وإني لهذا لا أستطيع أن أقنع نفسي بزيف الكتاب، وتزويره على عمرو بن العاص ولئن كان الأستاذ هيكل قد نفى نسبة الألفاظ إلى عمرو، وأثبت له المعنى بغلبة الظن، فإني لا أوافق على ذلك أيضاً، لأن سؤالاً في تلك الحال يلح على من يقول بذلك، ولا يرضى إلا بإجابة صريحة، فأين إذن الأصل الذي متبه عمرو؟؟.
والفيصل في مثل تلك الحال هو مصادرنا التاريخية الموثوقة التي كتبت عن فتح مصر وكأنها كانت ترافق الفاتحين خطوة خطوة، والتي نقلت بأمانة الكتب المتبادلة بين أمير المؤمنين وواليه على مصر دون أن تهمل شيئاً منها رغم ما فيها من قسوة عمر على عمرو ورغم ما فيها من رد عمرو بنفس اللهجة والقسوة.
وبالرجوع إلى تلك المصادر لم نجد شيئاً منها يشير ولو من طرف خفيّ إلى هذا الكتاب ولا إلى الذي غلّب الأستاذ هيكل وجوده، وإذا…
__________
(1) الإصابة (3/ 2).

الصفحة 75