كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

76…كانت جميع مصادر التاريخ الإسلامي لم تعرف هذا الكتاب، ولم يذكره إلا مؤرخون متأخرون، فلا بدّ أن يكون الكتاب مزيفاً على عمرو، ولم تصح نسبته إليه.
وهذا هو الطريق الوحيد الذي تطمئن إليه النفس، ويرضى عنه المحقق، والذي نستطيع به إثبات زيف الكتاب، ونفي نسبته إلى عمرو.
ولقد أثبت الكتاب هنا رغم ما فيه وما عليه لأناقشه هذه المناقشة، وأبين وجهة نظري فيه، وإنما يكفينا في الموضوع ما كان يأمر به عمر -رضي الله عنه- قواده وولاته من ارتياد الأماكن الصالحة لسكني الجنود، وألا يجعلوا بينه وبين المسلمين بحراً ولا جسراً يحول بينهم وبين المدد إذا احتاجوا إليه.
كتب عمر -رضي الله عنه- إلى سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- يقول: (إن العرب لا يوافقها إلى ما وافق إبلها من البلدان، فابعث رائداً يرتاد لهم منزلاً برياً بحرياً ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر) (1).
كذلك لما كتب عتبة بن غزوان إلى عمر يخبره بأنه لا بدّ للمسلمين من منزل يشتون به إذا اشتوا، ويسكنون فيه إذا انصرفوا من غزوهم، فكتب إليه عمر.
(إجمع اصحابك في موضع واحد، وليكن قريباً من الماء والرعي، واكتب لي بصفته، فكتب إليه عتبة، إني وجدت أرضاً كثيراً القصبة في طرف البر إلى الريف، ودونها مناقع ماء فيها قصباء.
فأمره عمر بان ينزلها الناس، فأنزلهم إياها) (2).
وعندما أراد عمر بن العاص أن يتخذ الاسكندرية مقراً لولايته كتب بذلك إلى عمر بن الخطاب فسأل عمر رسول عمرو، هل يحول بيني وبين المسلمين ماء؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين إذا جرى النيل، عندئذٍ كتب أمير المؤمنين إلى عمرو بن العاص (إني لا أحب أن تنزل بالمسلمين منزلاً يحول الماء بيني وبينهم في شتاء ولا صيف، فلا تجعلوا بيني وبينكم ماء) (3).

__________
(1) البلاذري ص: 275، ابن الأثير (2/ 527) والطبري (4/ 41).
(2) البلاذري ص: 341، والطبري (4/ 41)، ابن الأثير (2/ 527).
(3) فتوح مصر ص: (132).

الصفحة 76