77…ونحن نرى في أوامر عمر بن الخطاب إلى القواد والولاة توجيهات تصلح نواة جيدة وبذرة صالحة لعلم الجغرافيا، فإنه في التوجيه الأول يجعل المناخ أساساً وصِفَة رئيسية للمكان الذي يرتاده القائد ليسكن فيه الجند.
وفي التوجيه الثاني يشترط قرب الماء ووجود المرعى، ويطلب من القائد تقريراً وافياً عن المكان فيوافيه بالتقرير، يصف له المكان بأنه كثير القصبة أي النبات الذي يصلح للرعي وأنه ذو مناخ جاف حيث يقع في طرف البر - الصحراء - إلى الريف، وأمام هذا المكان نهر فيه منبت القصب.
والتقرير كما نرى يتناول الوضع الصحي، ووسائل العيش للسكان ومواشيهم والمناخ ويبين صلاحية المكان للسكنى، ولذلك وافق عمر على نزول المسلمين فيه.
ويلاحظ كذلك أن من كان يهتم بجغرافية المكان.
وموافقته لمزاج السكان وصلاحيته لإمداد القواد بما يحتاجون إليه من المدد.
وأما علوم التربية والاجتماع فللإسلام فيهما منهج رشيد، تناوله القرآن بالتفصيل والتوضيح، وعامل الرسول به أصحابه فكان التطبيق العملي لهذا المنهج، وقد تنوعت أساليب التربية وبناء المجتمع بحسب الأشخاص والبيئة والظروف التي تحيط بالإنسان.
فالقرآن الكريم يطالب الناس ببناء مجتمع نظيف فيأمرهم بمكارم الأخلاق ومحامد الشيم (إن الله يأمر بالعدل والإحسان، وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغى، يعظكم لعلكم تذكرون) (1).
ويحث أفراد هذا المجتمع على التعاون والبر (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) (2).
ويهدد الذين لا يبذلون المعروف، ويمسكون الفضل ولو كان قليلاً…
__________
(1) النحل: 90.
(2) المائدة: 2.