86…فتستيقظ القلوب الغافلة، وتطمئن النفوس المؤمنة، وتبرز الأحداث في صور ماثلة حية تقرع القلوب بهولها، وتهز النفوس بلأوائها، في الوقت الذي تسمح فيه قلوب المؤمنين برفق، وتحرك عواطفهم في لطف ليتمسكوا بالحق الذي جاءهم به الرسل، فيوقنوا عندئذٍ أن العاقبة للمتقين.
والرسول -صلى الله عليه وسلم- يستغل الأحداث أحسن استغلال في تربية المؤمنين، فيهدئ نفوسهم كلما جاشت، ويطمئن قلوبهم كلما ثارت، ويضرب لهم الأمثال بمن سبقهم من الأمم، جاء خباب بن الإرث إلى رسول الله وهو عند الكعبة، فقال خباب للرسول: ألا تدعو لنا؟.
فاحمر وجه الرسول -صلى الله عليه وسلم- وقال: ((إنه كان من قبلكم ليمشط أحدهم بأمشاط الحديد ما دون عظمه من لحم وعصب، ما يصرفه ذلك عن دينه)) (1).
وجلس الرسول -صلى الله عليه وسلم- يعلم أصحابه أموراً، فكان مما قال: ألا إن رحى الإسلام دائرة فدوروا مع الإسلام حيث دار، ألا إن القرآن والسلطان سيفترقان، فلا تفارقوا الكتاب، ألا إنه سيكون عليكم أمراء مضلون يقضون لأنفسهم ما لا يقضون لكم، إن أطعتموهم أضلوكم، وإن عصيتموهم قتلوكم، قالوا: ما نصنع يا رسول الله؟ قال: كما صنع أصحاب عيسى، نشروا بالمناشير، وحملوا على الخشب، والذي نفس محمد بيده لموت في سبيل الله، خير من حياة في معصية الله) (2).
وهكذا يوجه الرسول أصحابه من خلال هذه الأحداث، فيذكرهم بما تحمله المسلمون الأولون من الأذى والعذاب في سبيل عقيدتهم، وما بذلوه من التضحية والثبات من أجل نصرة دينهم، ولم يصرفهم شيء من ذلك عن الحق الذي آمنوا به.
فيزيدهم بذلك تمسكاً بدينهم، وحرصاً على عقيدتهم، فإن من قبلهم…
__________
(1) حياة سيد العرب (1/ 133).
(2) رواه أبو داود.