كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

87…قد نالهم أكثر مما أصابهم فصبروا ولم يغيروا، وهم ليسوا بأقل منهم إيماناً، ولا اضعف منهم بنياناً.
6 - التربية بالعقوبة:
لا يختلف إثنان في أن الناس ليسوا سواء فيما يصلحهم في التربية والتوجيه، فمنهم من تكفيه القدوة يراها في والديه أو أستاذه أو أصدقائه، ومنهم من تؤثر فيه الموعظة فتكون سبباً في تحويله وإرشاده، ومنهم من ترده قصة عن غيه، وتعيده الأحداث إلى رشده، وهناك فريق أذنه في ظهره لا يسمع إلا حيث يضرب، وعقله في رجله لا يفهم إلا بعد أن يجلد.
ولعل هذا الاختلاف الحادث في وسائل التربية التي اتبعها القرآن المجيد في تربية الناس كان من أجل هذا، حتى يسلك مع كل أناس ما يصلحهم ويفيدهم.
ومع هذا فإن المتبادر إلى الذهن أن المربي لا يبلغ حد العقوبة إلا إذا استنفد الوسائل الأخرى دون أن يجد فائدة أو يحصل على جدوى، وعندئذٍ فليس هناك سبيل إلا استخدام تلك الوسيلة.
ولهذا جعلها القرآن الكريم آخر وسائل التهذيب والتقويم، قال -تعالى-: (واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن، واهجروهن في المضاجع، واضربوهن) (1).
والرسول -صلى الله عليه وسلم- جعل العقوبة آخر الدواء، قال -صلى الله عليه وسلم-: ((مروا أولادكم الصلاة وهم أبناء سبع، وأضربوهم عليها وهم أبناء عشر)) (2).
ومن المعلوم أن العقوبة لا تنحصر في الضرب، ولكن يدخل فيها التهديد والحرمان، والمربي الحاذق لا يستخدم العقوبة إلا إذا فشلت مقدماتها من التهديد والحرمان.

__________
(1) النساء: 34.
(2) رواه أحمد في المسند.

الصفحة 87