كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

88…والناس في نظر المربي كالمرضى أمام الطبيب، فهذا ينفعه التوجيه المعنوي، وهذا يصلحه الدواء، ولا بدّ أن يستعمله ولو كان مراً، وذلك لا يفيده إلا البتر.
ولا يستطيع أحد أن يعترض على الطبيب لأنه أرشد هذا فصح، وبتر هذا ليصح، لم لم يستعمل الطبيب علاجاً واحداً مع المريضين، ولو فعل ذلك لعابه الناس وأنقصوه والواقع أن من الناس ناساً لا يجدي معهم غير العقوبة، والتساهل معهم يؤدي إلى المزيد من الانحرافات، فهؤلاء لا يصلح معهم إلا العقوبة الرادعة، ولا تكون إلا بعد استنفاد الوسائل الأخرى، وآخر الدواء الكي كما كانوا يقولون.
وعندما يستعمل الإسلام هذه الوسائل على اختلاف أنواعها يكون قد سلك الطريق إلى النفس البشرية بكل ما يوصل إليها، وقد دخل عليها من كل منافذها فلم يدع لها مهرباً إلا أغلقه، عندئذٍ تنصاع للتوجيه، وتنقاد للنصح، ويسلس قيادها للتربية.
رابعاً - علوم الطب والتمريض
لم يكن الطب علماً مقنناً - دروساً كما هو الحال في أيامنا - ولكنه كان مأخوذاً بالتجربة، وكان الأطباء يسألون عما يشعر به المريض، ويصفون له الأدوية المناسبة التي أفادت غيره ممن كان يشكو هذه الشكوى.
يدل على ذلك قول عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنها- لما سألها عروة بن الزبير عن سبب علمها بالطب قالت: إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كثرت أسقامه، وكان يقدم عليه أطباء العرب والعجم فيصفون له فنعالجه) (1).
ويروي ابن الجوزي عن هشام قال: كان عروة يقول لعائشة: لا أعجب من فقهك أقول: زوجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وبنت أبي بكر، ولا أعجب من علمك بالشعر وأيام الناس، أقول: ابنة أبي بكر ولكن أعجب من علمك بالطب.

__________
(1) التراتيب (1/ 455).

الصفحة 88