كتاب الحركة العلمية في عصر الرسول وخلفائه

91…والعلاج النفسي من أبرع أنواع العلاج، ومن أقواها على مقاومة العلل، فإن المريض إذا قويت نفسه، وارتفعت معنوياته تغلب على كثير من الآلام التي يعانيها وساعده ذلك على التخلص من آثارها.
يقول ابن القيم - رحمه الله -: وفي هذا الحديث نوع شريف جداً من أشرف أنواع العلاج، وهو الإرشاد إلى ما يطيب نفس العليل من الكلام الذي تقوى به الطبيعة وتنتعش به القوة وينبعث به الحار الغريزي، فيساعد على دفع العلة، أو تخفيفها الذي هو غاية تأثير الطبيب.
وتفريح نفس المريض - وتطبيب قلبه، وإدخال ما يسره عليه له تأثير عجيب في شفاء علته وخفتها، فإن الأرواح والقوى تقوى بذلك فتساعد الطبيعة على دفع ما يؤذي (1).
ولهذا كان -صلى الله عليه وسلم- إذا عاد مريضاً وضع يده على جبهته أو على صدره، وسأله عن شكواه، وعما يشتهيه، وربما قال له: ((لا بأس عليك، طهور إن شاء الله)) (2).
وأما التمريض فكثيراً ما كان يحصل في الحروب والغزوات، وكان يقوم به الرجال والنساء وأغلب ما يكون التمريض من النساء في أثناء المعارك، حيث يكون الرجال مشغولين بالحرب.
عن الربيع بنت مسعود -رضي الله عنهما- قالت: (كنا مع النبي -صلى الله عليه وسلم- نسقي ونداوي الجرحى، ونرد القتلى إلى المدينة) (3).
وفي البخاري لما أصيب سعد بن معاذ -رضي الله عنه- في أكحله في يوم الخندق أمر رسول الله أن تضرب له خيمة في المسجد ليعوده من قريب.
ويقول ابن إسحاق: إن الذي كان يقوم على تمريضه وعلاجه امرأة…
__________
(1) زاد المعاد (3/ 213).
(2) نفسه.
(3) البخاري.

الصفحة 91