كتاب الرسالة المدنية في تحقيق المجاز والحقيقة في صفات الله (مطبوع ضمن الفتوى الحموية الكبرى)

فتكون إضافته إلى اليد إضافة له إلى الفعل كقوله: {بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ} [الحج: 10] و {قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ} [آل عمران: 182،الأنفال: 51] ، ومنه قوله: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} [يس: 71] .
أما إذا أضاف الفعل إلى الفاعل، وعدى الفعل إلى اليد بحرف الباء، كقوله: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} فإنه نص في أنه فعل الفعل بيديه؛ ولهذا لا يجوز لمن تكلم أو مشى أن يقال: فعلت هذا بيديك ويقال: هذا فعلته يداك؛ لأن مجرد قوله: فعلت، كاف في الإضافة إلى الفاعل، فلو لم يرد أنه فعله باليد حقيقة كان ذلك زيادة محضة من غير فائدة، ولست تجد في كلام العرب ولا العجم إن شاء الله تعالى أن فصيحًا يقول: فعلت هذا بيدي، أو فلان فعل هذا بيديه، إلا ويكون فعله بيديه حقيقة، ولا يجوز أن يكون لا يد له، أو أن يكون له يد والفعل وقع بغيرها.
وبهذا الفرق المحقق تتبين مواضع المجاز ومواضع الحقيقة، ويتبين أن الآيات لا تقبل المجاز البتة من جهة نفس اللغة.
قال لي: فقد أوقعوا الاثنين موقع الواحد في قوله: {أَلْقِيَا فِي جَهَنَّمَ} [ق: 24] ، وإنما هو خطاب للواحد.
قلت له: هذا ممنوع، بل قوله: {أَلْقِيَا} قد قيل: تثنية الفاعل لتثنية الفعل، والمعنى: ألق ألق. وقد قيل: إنه خطاب للسائق والشهيد. ومن قال: إنه خطاب للواحد، قال: إن الإنسان يكون معه اثنان: أحدهما عن يمينه، والآخر عن شماله، فيقول: خليلي! خليلي! ثم إنه يوقع هذا الخطاب وإن لم يكونا موجودين، كأنه يخاطب موجودين، فقوله: {أَلْقِيَا} عند هذا القائل إنما هو خطاب لاثنين يقدر وجودهما، فلا حجة فيه البتة.
قلت له: المقام الثاني: أن يقال: هب أنه يجوز أن يعني باليد حقيقة اليد، وأن يعني بها القدرة أو النعمة، أو يجعل ذكرها كناية عن الفعل، لكن ما الموجب لصرفها عن الحقيقة؟
فإن قلت: لأن اليد هي الجارحة وذلك ممتنع على الله سبحانه.
قلت لك: هذا ونحوه يوجب امتناع وصفه بأن له يدًا من جنس أيدي المخلوقين، وهذا لا ريب فيه، لكن لم لا يجوز أن يكون له يد تناسب ذاته تستحق من صفات الكمال ما تستحق الذات؟ قال: ليس في العقل والسمع ما يحيل هذا. قلت: فإذا كان هذا ممكنًا وهو حقيقة اللفظ فلم يصرف عنه اللفظ إلى مجازه؟ وكل

الصفحة 11