كتاب الرسالة المدنية في تحقيق المجاز والحقيقة في صفات الله (مطبوع ضمن الفتوى الحموية الكبرى)

أمروها كما جاءت مع أن معناها المجازي هو المراد وهو شىء لا يفهمه العرب، حتى يكون أبناء الفرس والروم أعلم بلغة العرب من أبناء المهاجرين والأنصار!
المقام الرابع: قلت له: أنا أذكر لك من الأدلة الجلية القاطعة والظاهرة، ما يبين لك أن لله يدين حقيقة.
فمن ذلك تفضيله لآدم يستوجب سجود الملائكة، وامتناعهم عن التكبر عليه، فلو كان المراد أنه خلقه بقدرته أو بنعمته، أو مجرد إضافة خلقه إليه؛ لشاركه في ذلك إبليس وجميع المخلوقات.
قال لي: فقد يضاف الشىء إلى الله على سبيل التشريف، كقوله: {نَاقَةَ اللَّهِ} [الشمس: 13] ، وبيت الله.
قلت له: لا تكون الإضافة تشريفًا حتى يكون في المضاف معنى أفرده به عن غيره، فلو لم يكن في الناقة والبيت من الآيات البينات ما تمتاز به على جميع النوق والبيوت لما استحقا هذه الإضافة، والأمر هنا كذلك، فإضافة خلق آدم إليه أنه خلقه بيديه، يوجب أن يكون خلقه بيديه أنه قد فعله بيديه، وخلق هؤلاء بقوله: كن فيكون، كما جاءت به الآثار.
ومن ذلك أنهم إذا قالوا: بيده الملك، أو عملته يداك، فهما شيئان: أحدهما: إثبات اليد. والثاني: إضافة الملك والعمل إليها، والثاني يقع فيه التجوز كثيرًا، أما الأول فإنهم لا يطلقون هذا الكلام إلا لجنس له يد حقيقة، ولا يقولون: يد الهوى ولا يد الماء، فهب أن قوله: {بيده الملك} ، قد علم منه أن المراد بقدرته، لكن لا يتجوز بذلك إلا لمن له يد حقيقة.
والفرق بين قوله تعالى: {لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ} [ص: 75] وقوله: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا} [يس: 71] من وجهين:
أحدهما: أنه هنا أضاف الفعل إليه، وبين أنه خلقه بيديه، وهناك أضاف الفعل إلى الأيدي.
الثاني: أن من لغة العرب أنهم يضعون اسم الجمع موضع التثنية إذا أمن اللبس، كقوله تعالى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا} [المائدة: 38] أي: يديهما، وقوله: {فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا} [التحريم: 4] أي: قلباكما، فكذلك قوله: {مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا} .
وأما السنة فكثيرة جدًا، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: " المقسطون عند

الصفحة 13