كتاب تحقيق المسح على الجوربين والنعلين

4 - متى تبدأ مدة المسح؟
للعلماء في هذه المسألة قولان معروفان:
الأول: أنها تبدأ من الحدث بعد اللبس
والآخر: من المسح بعد الحدث
وقد ذهب إلى الأول أبو حنيفة والشافعي وأحمد وأصحابهم ولا نعلم لهم دليلا يستح الذكر إلا مجرد الرأي ولذلك خالفهم بعض أصحابهم كما يأتي ولا علمت لهم سلفا من الصحابة بخلاف القول الثاني فإمامهم الأحاديث الصحيحة وفتوى عمر بن الخطاب Bهـ
أما السنة فالأحاديث الصحيحة التي رواها جمع من الصحابة في صحيح مسلم والسنن الأربعة والمسانيد وغيرها ففيها أن النبي A أمر بالمسح وفي بعضها رخص في المسح وفي غيرها: جعل المسح للمقيم يوما وليلة وللمسافر ثلاثة أيام ولياليهن ومن الواضح جدا أن الحديث كالنص على ابتداء مدة المسح من مباشرة المسح وهو كالنص أيضا على رد القول الأول لأن مقتضاه كما نصوا عليه في الفروع
[94]
أن من صلى الفجر قبيل طلوع الشمس ثم أحدث عند الفجر من اليوم الثاني فتوضأ ومسح لأول مرة لصلاة الفجر فليس له المسح بعدها فهل يصدق على مثل هذا أنه مسح يوما وليلة؟ أما على القول الثاني الراجح فله أن يمسح إلى قبيل الفجر من اليوم الثالث بل لقد قالوا أغرب مما ذكرنا: فلو أحدث ولم يمسح حتى مضى من بعد الحدث يوم وليلة أو ثلاثة أيام إن كان مسافرا انقضت المدة ولم يجز المسح بعد ذلك حتى يستأنف لبسا على طهارة (1)
فحرموه من الانتفاع بهذه الرخصة. بناء على هذا الرأي المخالف للسنة ولذلك لم يسع الإمام النووي إلا أن يخالف مذهبه - وهو الحريص على أن لا يخالفه ما وجد إلى ذلك سبيلا - لقوة الدليل فقال C تعالى بعد أن حكى القول الأول ومن قال به (1 / 487) :
(وقال الأوزاعي وأبو ثور: ابتداء المدة من حين يمسح بعد الحدث وهو رواية عن أحمد وداود وهو المختار الراجح دليلا واختاره ابن المنذر وحكى نحوه عن عمر بن الخطاب Bهـ وحكى الماوردي والشاشي عن الحسن البصري أن ابتدائها من اللبس واحتج القائلون من حين المسح بقوله A: (يمسح المسافر ثلاثة أيام)

الصفحة 94