كتاب مقدمة في أصول التفسير لابن تيمية

ذلك إلى طريق يثبت بها مثل تلك الألفاظ والدقائق؛ ولهذا ثبتت بالتواتر غزوة بَدْر وأنها قبل أُحُد، بل يعلم قطعا أن حمزة وعليًا وعبيدة برزوا إلى عُتْبَةَ وَشَيْبَةَ والوليد، وأن عليا قتل الوليد، وأن حمزة قتل قرنه، ثم يشك في قرنه هل هو عتبة أو شيبة.
وهذا الأصل ينبغي أن يعرف؛ فإنه أصل نافع في الجزم بكثير من المنقولات في الحديث والتفسير والمغازي، وما ينقل من أقوال الناس وأفعالهم وغير ذلك.
ولهذا إذا روى الحديث الذي يتأتى فيه ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من وجهين، مع العلم بأن أحدهما لم يأخذه عن الآخر، جزم بأنه حق، لا سيما إذا علم أن نَقَلَتَه ليسوا ممن يتعمد الكذب، وإنما يخاف على أحدهم النسيان والغلط؛ فإن من عرف الصحابة كابن مسعود وأبي بن كعب، وابن عمر، وجابر، وأبي سعيد، وأبي هريرة وغيرهم علم يقينا أن الواحد من هؤلاء لم يكن ممن يتعمد الكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فضلا عمن هو فوقهم، كما يعلم الرجل من حال من جربه وخبره خبره باطنة طويلة أنه ليس ممن يسرق أموال الناس، ويقطع الطريق، ويشهد بالزور ونحو ذلك.
وكذلك التابعون بالمدينة ومكة، والشام والبصرة، فإن من عرف مثل أبي صالح السمان، والأعرج، وسليمان بن يسار، وزيد بن أسلم وأمثالهم، علم قطعا أنهم لم يكونوا ممن يتعمد الكذب في الحديث،

الصفحة 26