كتاب محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه

الدين، ومن حين دخل الجند الحرم، وهم على كثرتهم مضبوطون متأدبون، لم يعضدوا به شجراً، ولم ينفروا صيداً، ولم يريقوا دماً، إلا دم الهدي، أو ما أحل الله من بهيمة الأنعام على الوجه المشروع.
ولَمَّا تَمَّت عمرتنا، جمعنا الناس ضحوة الأحد، وعرض الأمير على العلماء ما نطلب من الناس، ونقاتلهم عليه، وهو إخلاص التوحيد لله وحده، وعرّفهم أنه لم يكن بيننا وبينهم خلاف له وقع، إلا في أمرين:
أحدهما: إخلاص التوحيد لله، ومعرفة أنواع العبادة، وأن الدعاء من جملتها، وتحقيق معنى الشرك الذي قاتل الناس عليه نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، واستمر دعاؤه برهة من الزمان بعد النبوة إلى ذلك التوحيد وترك الإشراك، قبل أن تفرض عليه أركان الإسلام الأربعة.
والثاني: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، الذي لم يبق عندهم إلا اسمه، وانمحى أثره ورسمه، فوافقونا على استحسان ما نحن عليه جملة وتفصيلاً، وبايعوا الأمير على الكتاب والسنة، وقبل منهم، وعفا عنهم جميعاً، فلم يحصل على أحد منهم أدنى مشقة.
ولم يزل يرفق بهم غاية الرفق لا سيما العلماء، ويقرر لهم حال اجتماعهم، وحال انفرادهم لدينا، أدلة ما نحن عليه، ويطلب منهم المناصحة والمذاكرة، وبين الحق، وعرفناهم بأن صرح لهم الأمير حال اجتماعهم بأنا قابلون ما وضحوا برهانه من كتاب، أو سنة، أو أثر عن السلف الصالح، كالخلفاء الراشدين، المأمورين باتباعهم بقوله صلى الله عليه وسلم: "عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي"، وعن1 الأئمة الأربعة المجتهدين، ومن تلقى العلم عنهم إلى آخر القرن الثالث، لقوله صلى الله عليه وسلم: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
وعرّفناهم أنا دائرون مع الحق أينما دار، وتابعون للدليل الجلي الواضح، ولا نبالي حينئذ بمخالفة ما سلف عليه من قبلنا، فلم ينقم العلماء علينا أمراً".
__________
1 معطوف على قوله: "أو أثر عن السلف الصالح".

الصفحة 55