كتاب محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه

من الاستدلال بشرف البقاع على عدم ضلال أهلها، لأن حديث: "الإيمان يأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها" يصدق ولو على البعض، والأول أدل1 على العموم، ولو احتج الأسود العنسي وأمثاله على حسن حالهم بما تقدم لكان جوابه جواباً لنا، فقد قال الله: {وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} .
إيضاح المراد بمواضع الزلازل والفتن:
أيها السائل، إنك لمحت إلى أن المراد من مواضع الزلازل والفتن هي أرض نجد، وبلادها واتخذت ذلك سهماً رميت به من سكن هذه الخطة، ونحن نعذرك في ذلك، حيث لم تقف على معنى الحديث، وبعد بيانه، نرجو من لطف الله تعالى أن تذعن أنت وأضرابك للحق، إن كنت من أهل الفهم والإنصاف.
أما الحديث فهو قوله صلى الله عليه وسلم في الدعاء: "اللهم بارك لنا في شامنا وفي يمننا" قالوا: وفي نجدنا يا رسول الله؟، فكرر ثلاث مرات يدعو للشام واليمن، وهم يقولون: وفي نجدنا؟، فقال في الرابعة: "تلك مواضع الزلازل والفتن"، وقد استجيبت دعوته صلى الله عليه وسلم، وحصل من البركات بسبب هذه الدعوات في الشام واليمن، ما هو معروف ومشهور، وهل دوّنت الدواوين، ووضع العطاء، وجندت الجنود، وارتفعت الرايات والبنود، إلا بعد إسلام أهل اليمن وأهل الشام، وصرف أموالهما في سبيل الله.
ولكن لا يحتج به على صلاح دين أهلهما، إلا من غربت عنه الحقائق، وعدم الفهم لأصول الدين، فضلاً عن الفروع والدقائق.
وقد تقدم قوله تعالى: {وَأَوْرَثْنَا الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا يُسْتَضْعَفُونَ مَشَارِقَ الأَرْضِ وَمَغَارِبَهَا} ، وجمهور أهل نجد، كـ"تميم" و"أسد" و"طي" و"هوزان" و"غطفان" و"بني ذهل" و"بني شيبان"؛ صار لهم في الجهاد
__________
1 أي: حديث: "الإيمان يمان"، وحديث: "أتاكم أهل اليمن".

الصفحة 65