كتاب محمد بن عبد الوهاب عقيدته السلفية ودعوته الإصلاحية وثناء العلماء عليه

في سبيل الله، والمقام بالثغور، والمناقب والمآثر، لاسيما في جهاد الفرس والروم؛ ما لا يخفى على من له أدنى إلمام بشيء من العلوم، ولا ينكر فضائلهم، إلا من لم يعرف جهادهم وبلاءهم في تلك المواطن، ولا يشك عاقل أنهم أفضل من أهل الأمصار، قبل استيطان الصحابة، وأهل العلم والإيمان.
وأما بعد ذلك، فالفضل والتفضيل، باعتبار الساكن، يختلف وينتقل مع العلم والدين.
فأفضل البلاد والقرى في كل وقت وزمان: أكثرها علماً، وأعرفها بالسنن والآثار النبوية.
وشر البلاد: أقلها علماً، وأكثرها جهلاً وبدعة وشركاً، وأقلها تمسكاً بآثار النبوة، وما كان عليه السلف الصالح.
فالفضل والتفضيل، يعتبر بهذا في الأشخاص والسكان، وقد قال الله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ} ، وكما أن الحسنات تضاعف في البلد الحرام، فكذلك السيئات تضاعف، لعظم حرمته وفضيلته1.
وقد جاء في فضل بعض أهل نجد كـ"تميم" ما رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: أحب تميماً لثلاث سمعتهن من رسول الله صلى الله عليه وسلم: قوله لما جاءت صدقاتهم: "هذه صدقات قومي "، وقوله في الجارية التميمية: "أعتقيها فإنها من ولد إسماعيل"، وقوله: "هم أشد أمتي على الدجال". هذا في المناقب الخاصة. أما العامة للعرب، فلا شك في عمومها لأهل نجد، لأنهم من صميم العرب.
__________
1 ذهب بعض أهل العلم إلى أن المضاعفة في الكيفية لا في العدد، لقول الله سبحانه: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى إلاَّ مِثْلَهَا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} ، وهذا نص صريح من كتاب الله سبحانه، لا تجوز مخالفته إلا بدليل صحيح يخص الحرم المكي من هذه الآية، ولا نعلم في ذلك ما يحسن الاعتماد عليه. عبد العزيز بن عبد الله بن باز.

الصفحة 66