كتاب الأمنية في إدراك النية

ولنبحث الْآن هَل هِيَ أَلْفَاظ مترادفة اَوْ متباينة أَو بَعْضهَا كَذَلِك وَالْبَعْض الآخر من الْقسم الْأُخَر وَمَا هُوَ جَائِز على الله تَعَالَى مِنْهَا وَمَا هُوَ مُتَعَذر
فَنَقُول الَّذِي يظْهر من مبَاحث الْفُضَلَاء وإشارات الأدباء فِيمَا ينقلونه عَن اللُّغَة أَن الْإِرَادَة كَمَا تقدم تَفْسِيرهَا هِيَ الصّفة المخصصة لأحد طرفِي الْمُمكن بِمَا هُوَ جَائِز عَلَيْهِ من وجود أَو عدم أَو هَيْئَة دون هَيْئَة أَو حَالَة دون حَالَة أَو زمَان دون زمَان وَجَمِيع مَا يُمكن أَن يَتَّصِف الْمُمكن بِهِ بَدَلا عَن خلَافَة أَو ضِدّه أَو نقيضه أَو مثله
غير أَنَّهَا فِي الْمشَاهد لَا يجب لَهَا حُصُول مرادها وَفِي حق الله تَعَالَى يجب لَهَا ذَلِك لِأَنَّهَا فِي الشَّاهِد عرض مَخْلُوق ومصرف بِالْقُدْرَةِ الألهية والمشيئة الربانية ومرادها وَفِي ميلحق الله تَعَالَى معنى لَيْسَ بِعرْض وَاجِبَة الْوُجُود مُتَعَلقَة لذاتها أزلية أبدية وَاجِبَة النّفُوذ فِيمَا تعلّقت بِهِ
وَأما الْعَزْم فَهُوَ الْإِرَادَة الكائنة على وفْق الداعية والداعية ميل يحصل فِي النَّفس لما شَعرت بِهِ من اشْتِمَال المُرَاد على مصلحَة خَالِصَة أَو راجحة أَو دَرْء مفْسدَة خَالِصَة أَو راجحه والميل جَائِز على الْخلق مُمْتَنع على الله تَعَالَى فَلَا جرم لَا يُقَال فِي حق الله تَعَالَى عزم بِمَعْنى اراد الْإِرَادَة الْخَاصَّة المصممة بل عزائم الله تَعَالَى طلبة الرَّاجِح أَي كَلَامه النفساني فَإِذا قُلْنَا إِن الله تَعَالَى يجب أَن تُؤْتى رخصَة كَمَا يحب أَن بؤتى عَزَائِمه فَالْمُرَاد مطلوباته والطلب أحد أَقسَام الْكَلَام لَيْسَ من الْإِرَادَة فِي شَيْء فالعزائم لَيست من الْعَزْم الَّذِي نريده بقولنَا عزمنا على السّفر أَو على الْإِقَامَة
فَظهر الْفرق بَين الْعَزْم والإرادة وَهُوَ معنى قَول بعض الْفُضَلَاء الْعَزْم إِرَادَة فِيهَا تصميم

الصفحة 8