كتاب الجرح والتعديل للقاسمي

والانفصام، فبعد أَنْ كان التسامح في التلقي عن الحكماء والفضلاء من أي طبقة - رُكْنًا رَكِينًا في حضارة الإسلام، خلفه التخاذل والتدابر والتعصب والملام، ولم يكف ذاك حتى ادُّعِيَ أنه من الدين، مع أَنَّ الدين يأمر بالتآخي ونبذ التفرق في محكم كتابه المبين.

(ومن العجب) أنْ يقول قائل: لا يلزم من الرواية عنهم عدم معاداتهم، أي يجوز أَنْ نَرْوِي عَنْ رَاوٍ، مع التدين بمعاداتنا له، وبغضنا إياه!

(فنجيب عنه) بأنَّا لا نعرف من قال ذلك من السلف، ولا من ذهب إليه من الأئمة، والرواية يُرَادُ بها هنا تلقي أقوال النبي - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَسُنَّتِهِ، وهديه، وتشريعه، وأقضيته، وفتاويه وشمائله، لتتخذ دِينًا يُدَانُ الله به، وشريعة يُقْضَى بها في التنازع، ومرجعًا تُحَلُّ به المشكلات، فهل يُتلقى ذلك عمن يجب علينا معاداته في الدين؟ وكيف يتصور أنْ نأخذ الدين عمن نرى أنه عدو للدين؟ سبحان الله ما هذا التناقض، إِنَّ من يأمرك الدين بِأَنْ تعاديه لا يبيح لك أَنْ تأخذ دينك وشريعتك وعقيدتك عنه، وَمِنَ المُسَلَّمِ بِأَنَّ هذا الراوي أَدَّاهُ اجتهاده إلى ما رأى، ومن أَدَّاهُ اجتهاده إلى ما رأى كيف يُعَادَى، وقد بذل قصارى جهده، وليس قصده إِلاَّ الحق، والتقرب إلى الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى -، وكيف يُعَادَى من أثبت له الشارع الأجر ولو

الصفحة 12