كتاب الجرح والتعديل للقاسمي

إلا إليه، ولا يتحمل الأذى والاضطهاد إلا لأجله - إذ لم يصب من رأيه وما دعا إليه لا دنيا، وَلاَ جَاهًا، وَلاَ مُلكًا، فأي دليل أدل على حسن نيته من هذا؟

وبالجملة فتسمية المُتَفَقِّهَةِ بَعْضَ الرُوَّاةِ فَسَقَةً جَهْلٌ بما قاله الأُصُولِيُّونَ من أنَّ الفاسق مردود الشهادة والرواية (¬1) ومن قبل الشيخان وغيرهما خبره وحكموه في السُنَّةِ، وأخذوا عنه، فهل يكون فاسقًا؟ على أن إجماعهم على تلقي " الصحيحين " بالقبول موجب لتعديل رُوَّاتِهِمَا جَمِيعًا؛ لأنَّ التلقي بالقبول فرع صحة الحديث، وهو إنما يكون من صحة سنده، وهو من عدالة رجاله وتوثيقهم. ولذا قالوا فيمن خَرَّجَ له الشيخان: «جَازَ القَنْطَرَةَ». بمعنى أنه لا يلتفت إلى ما غُمِزَ فيه. وبالجملة فمشرب المُحَدِّثِينَ في التسامح وَنَبْذِ التَّعَصُّبِ هو الذي تقتضيه الأصول، وتقبله العقول، وَمَا أُحْدِثَ مِنَ النَّبْزِ بِالفُسُوقِ للبعض فلا سند له - لأن دعوى فسق الإنسان إنما يكون بإتيانه ما فَسَّقَهُ الشارع به، ونص عليه كِتَابٌ أَوْ سُنَّةٌ نَصًّا قَاطِعًا لا يحتمل التأويل وأما مسائل الاجتهاد فلا يصح ذلك فيها بوجه من الوجوه.

والحاصل أن لا تفسيق ولا تضليل، مع الاجتهاد والتأويل،
¬__________
(¬1) " المستصفى ": جـ 1 ص 158.

الصفحة 23