كتاب الجرح والتعديل للقاسمي
الشيخين وغيرهما من هؤلاء، ولو أطرد الابتعاد عن هؤلاء أو إبعادهم لما تلقى عنهم أمثال الشيخين، وَخَلَّدَ أَسْمَاءَهُمْ وَمَرْوِيَّهُمْ في أصح الكتب بعد التنزيل الكريم، وقد يكون مُرَادُ البخاري بِأَهْلِ الخِلاَفِ أَهْلَ الرَّأْيِ جُمُودًا وَتَقْلِيدًا المُؤْثِرِينَ آراء الفقهاء على صحيح السُنَّةِ، لأنَّ كتابه المذكور وهو " جزء رفع اليدين " في مناقشة أهل الرأي وَحَجِّهِمْ بصحيح السُنَّةِ على رأيهم. وقد تجافى أرباب الصحاح الرواية عن أهل الرأي (¬1)، فلا تكاد تجد اسْمًا لهم في سند من كتب الصحاح أو المسانيد أو السنن، وإنْ كنت أعدّ ذلك في البعض تعصبًا، إذ يرى المُنْصِفُ عند هذا البعض من العلم والفقه ما يجدر أَنْ يَتَحَمَّلَ عنه، ويستفاد من عقله وعلمه، ولكن لكل دولة من دول العلم سلطة وعصبة ذات عصبية، تسعى في القضاء على من لا يوافقها ولا يقلدها في
¬__________
(¬1) كالإمام أبي يوسف والإمام محمد بن الحسن فقد فقد لينهما أهل الحديث - كما ترى في " ميزان الاعتدال " - ولعمري لم ينصفوهما وهما البحران الزاخران، وآثارهما تشهد بِسَعَةِ عِلْمِهِمَا وَتَبَحُّرِهِمَا، بل بتقدُّمهما على كثير من الحفاظ. وناهيك كتاب " الخراج " لأبي يوسف و " موطأ " الإمام محمد. نعم كان ولع جامعي السُنَّةِ بمن طوف البلاد، واشتهر بالحفظ، والتخصص بعلم السُنَّةِ وجمعها، وعلماء الرأي لم يشتهروا بذلك لا سيما وقد أشيع عنهم أنهم يُحَكِّمُونَ الرَّأْيَ فِي الأثر، وإنْ كان لهم مرويات مسندة معروفة، رضي الله عن الجميع، وحشرنا وإياهم مع الذين أنعم الله عليهم.
الصفحة 31
52