كتاب الجرح والتعديل للقاسمي
العلم أيام المأمون ماذا جرى منهم مع من لم يقل بمشربهم ولم يستجب لدعوتهم، فقد ضربت أئمة وأهينوا وسجنوا الأعوام وَأُوذُوا مِمَّا دَوَّنَهُ التاريخ وأحصاه على هؤلاء المُتَعَصِّبِينَ، وكان نقطة سوداء في تاريخ حياتهم، وإنْ كانوا يزعمون مقاومة الحشو والجمود، وتنوير الأذهان بعلوم الأوائل مِمَّا أخذوا بتعريبه، وجهدوا في نشره، إِلاَّ أنَّ الغُلُوَّ كان رائدهم، والبطش قائدهم، ولكن هي السكرة، التي يذهب معها صحيح الفكرة، (أعني سكرة الدولة والغلبة، والسلطة والقوة)، فما من دولة إِلاَّ ونقم عليها شيء من ذلك، كما يدريه من سَبَرَ أخبار الدول وفلسفة حياتهم، ومظهر آرائهم وآمالهم.
وكذلك قُُلْ عن الفتنة التي فَرَّ من أجلها إمام الحرمين من العراق إلى الحجاز حينما دالت دولة الحنفية، وثارت عصبيتهم على الشافعية والأشعرية. قال التاج السبكي في " طبقاته " (¬1) في ترجمة الإمام أبي سهل الشافعي: «إنه لما بلغ من سمو المقام أن أرسل إليه السلطان الخِلْعَ وظهر له القبول عند الخاص والعام، حسده الأكابر وخاصموه، فكان يخصمهم ويتسلط عليهم». (قال): «فبدا له خصوم واستظهروا له بالسلطان عليه وعلى أصحابه»، (قال): «وصارت الأشعرية مقصودين بالإهانة والمنع عن الوعظ
¬__________
(¬1) في ترجمة محمد بن هبة الله بن محمد بن الحسين الإمام الكبير أبو سهل: جـ 3 ص 85 و 86.
الصفحة 33
52