كتاب الجرح والتعديل للقاسمي

يستدعي زيادة بسط وإسهاب، ودرأ شبهٍ واحتمالات أوردها بعض الفقهاء خالف فيها الحقيقة، فخشيت أن يطول بإيرادها - في ترجمة البخاري - الكلام، ويشبه الخروج عن الموضوع فأفردت تتمة هذا البحث في مقالة خاصة تحيط به من أطرافه، وترده على أنحائه وهذا البحث من جملة المباحث العلمية التي نسيها الخلف أو أضاعوها، ولا غرو أن يذهل عن الغايات من يقصر في البدايات، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

1 - مَنْشَأُ النَّبْزِ بِالابْتِدَاعِ:
من المعروف في سنن الاجتماع أن كل طائفة قوي شأنها وكثر سوادها، لا بد أن يوجد فيها الأصيل والدخيل، والمعتدل والمتطرف، والغالي والمتسامح، وقد وجد بالاستقراء أن صوت الغالي أقوى صدى وأعظم استجابة؛ لأن التوسط منزلة الاعتدال، ومن يحرص عليه قليل في كل عصر ومصر، وأما الغلو فمشرب الأكثر، ورغيبة السواد الأعظم، وعليه درجت طوائف الفرق والنحل، فحاولت الاستئثار بالذكرى، والتفرد بالدعوى، ولم تجد سبيلاً لاستتباع الناس لها إلا الغلو بنفسها، وذلك بالحط من غيرها، والإيقاع بسواها، حسب ما تسنح لها الفرص، وتساعدها الأقدار، إن كان بالسنان، أو اللسان.

وأول من فتح هذا الباب - باب الغلو في إطالة اللسان

الصفحة 4