كتاب الجرح والتعديل للقاسمي

ما مثاله: وقد أخبرني شيخنا الشيخ أمين الدين إمام جامع الغمري بمصر المحروسة أن شخصًا وقع في عبارة موهمة للتكفير، فأفتى علماء مصر بتكفيره، فلما أرادوا قتله قال السلطان جقمق: هل بقي أحد من العلماء لم يحضر؟ فقالوا: نعم، الشيخ جلال الدين المحلي شارح " المنهاج "، فأرسل وراءه فحضر، فوجد الرجل في الحديد بين يدي السلطان، فقال الشيخ: ما لهذا؟ قالوا: كفر، فقال: ما مستند من أفتى بتكفيره، فبادر الشيخ صالح البلقيني من مشاهير الشافعية، وقال: قد أفتى والدي شيخ الإسلام الشيخ سراج الدين في مثل ذلك بالتكفير، فقال الشيخ جلال الدين - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: يا ولدي أتريد أنْ تقتل رَجُلاً مُسْلِمًا مُوَحِّدًا يحب الله ورسوله بفتوى أبيك؟ حلوا عنه الحديد، فجردوه، وأخذه الشيخ جلال الدين بيده وخرج والسلطان ينظر، فما تجرأ أحد يتبعه - رَضِيَ اللهُ تَعَالَى عَنْهُ -.

وقد عُدَّ الشعراني من الأعلام الذين أكفرهم الجامدون المتعصبون ما يقرب من الثلاثين، فمنهم القاضي عياض، اتهموه بأنه يهودي؛ لملازمته بيته للتأليف نهار السبت، وذكر أن المهدي قتله.

ومنهم الإمام الغزالي كَفَّرَهُ قضاة المغرب وأحرقوا كتبه، ومنهم التاج السبكي رموه بالكفر مِرَارًا، وسجن أربعة أشهر (¬1)، وكل هذا إنما كان بزعم المُتَعَصِّبِينَ بشهادات
¬__________
(¬1) ذكر السُبكي محنته هذه في آخر منظومة له في الفقه، عندي الكراسة الأخيرة منها.

الصفحة 46