كتاب الجرح والتعديل للقاسمي

وانكشف الغطا ... إلخ».

والسبب في ذلك ما ابتدعه الملك الظاهر برقوق من توظيف قضاة أربعة على المذاهب الأربعة مِمَّا لم يعهد قبله في دولة من الدول، حتى نشأ من ذلك ما نقمه عليه الأعلام، وعدوه من التفرقة في الإسلام، قال التاج السبكي في " طبقاته " (¬1)، في ترجمة قاضي القضاة بالديار المصرية تاج الدين عبد الوهاب ابن بنت الأعز الشافعي المُتَوَفَّى سَنَةَ 566، ما مثاله: وفي أيامه جدد الملك الظاهر القضاة الثلاثة في القاهرة، ثم تبعتها دمشق وكان الأمر متمحضًا للشافعية، فلا يعرف أن غيرهم حكم في الديار المصرية منذ وليها أبو زرعة محمد بن عثمان الدمشقي في سَنَةَ 284 إلى زمان الظاهر إلا أن يكون نائب يستنيبه بعض قضاة الشافعية في جزئية خاصة، وكذا دمشق لم يَلِهَا بعد أبي زرعة المشار إليه إلا شافعي غير التلاشا عوني التركي، الذي وليها يويمات وأراد أن يجدد في جامع بني أمية إِمَامًا حَنَفِيًّا، فأغلق أهل دمشق الجامع، وعزل القاضي (¬2). (قال السبكي)
¬__________
(¬1) جـ 5 ص 134.
(¬2) تأمل هذا التعصب واسترجع وحوقل، أين غاب عنهم فضل سائر الأئمة [المَتْبُوعِينَ] الأربعة وغيرهم، وكيف نسوا أن الناس عيال عليهم، تستمد من بركة فقههم واستنباطهم وتأصيلهم وتفريعهم؟ ما أجمد قَوْمًا يزعمون أنهم تَعَبَّدُوا بمذهب واحد، أو اتباع إمام واحد، أَوَ مَا عَلِمُوا أَنَّ كُلَّهُمْ مِنْ رَسُولِ اللهِ مُلْتَمِسٌ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى إِنَّمَا تَعَبَّدَ النَّاسَ بِتَنْزِيلِهِ الكَرِيمِ وَهَدْيِ نَبِيِّهِ المَعْصُومِ.

الصفحة 48