كتاب الرسالة الأكملية في ما يجب لله من صفات الكمال

فصل
وأما قول القائل: لو كان في ملكه ما لا يريده لكان نقصًا. وقول الآخر: لو قدر وعَذَّب لكان ظلمًا، والظلم نقص.
فيقال: أما المقالة الأولى فظاهرة، فإنه إذا قدر أنه يكون في ملكه ما لا يريده وما لا يقدر عليه، وما لا يخلقه ولا يحدثه، لكان نقصًا من وجوه:
أحدها: أن انفراد شىء من الأشياء عنه بالأحداث نقص لو قدر أنه في غير ملكه فكيف في ملكه؟ فإنا نعلم أنا إذا فرضنا اثنين: أحدهما: يحتاج إليه كل شىء، ولا يحتاج إلى شىء، والآخر: يحتاج إليه بعض الأشياء، ويستغنى عنه بعضها، كان الأول أكمل، فنفس خروج شىء عن قدرته وخلقه نقص، وهذه دلائل الوحدانية؛ فإن الاشتراك نقص بكل من المشتركين، وليس الكمال المطلق إلا في الوحدانية.
فإنا نعلم أن من قدر بنفسه كان أكمل ممن يحتاج إلى معين، ومن فعل الجميع بنفسه فهو أكمل ممن له مشارك ومعاون على فعل البعض، ومن افتقر إليه كل شىء، فهو أكمل ممن استغنى عنه بعض الأشياء.
ومنها: أن يقال: كونه خالقًا لكل شىء وقادرًا على كل شىء، أكمل من كونه خالقًا للبعض وقادرًا على البعض.
والقدرية لا يجعلونه خالقًا لكل شىء، ولا قادرًا على كل شىء.

الصفحة 59