كتاب جمع الجوامع المعروف بـ «الجامع الكبير» (اسم الجزء: 21)

الله - صلى الله عليه وسلم - هَلْ تَرَكْتَ لأَهْلكَ شَيْئًا؟ قَالَ: نَعَمْ، أَكثَر ممَّا أَنْفَقْتُ وَأَطيَب، قَالَ: كَمْ؟ قَالَ مَا وَعَدَ الله وَرَسُولُهُ مِنَ الصَّدَقَة (*) وَالْخَيْرِ، وَجَاءَ رَجُل مِنَ الأنْصَارِ يُقَالُ لَهُ أَبُو عُقَيْلٍ بِصَاعٍ مِنْ تَمْرٍ فَتَصَّدَّقَ به وَعَمَدَ الْمُنَافِقُونَ حينَ رَأَوْا الصَّدَقَات يَتَغَامَزونَ، فَإِذَا كَانَتْ صَدَقَةُ الرَّجُلِ كَثيرَةً تَغَامَزُوا بِه وَقَالُوا: مُرَاءٍ وِإذَا تَصَدَّقَ الرَّجُلُ بِيَسِيرٍ مِنْ طَاقَتهِ قَالُوا: هَذَا أَحْوَجُ إِلَى مَا جَاءَ بِه، فَلَمَّا جَاءَ أبُو عُقَيْلٍ بصَاعِهِ (* *) منْ تَمْرٍ قَالَ: بِتُّ ليْلَتِى أَجُرُ بالحَزِيرِ عَلَى صَاعَيْن وَالله مَا كَانَ عِنْدِى منْ شَىْءٍ منْ غَيْره وَهُوَ يَعْتَذِرُ وَهُوَ يَسْتَحى، فَأَتَيْتُ بِأَحَدِهِمَا وَتَرَكْتُ الآخَرَ لأَهْلِي، قَالَ الْمُنَافِقُونَ: هَذَا أَفْقَرُ إِلَى صَاعِهِ منْ غَيْرِهِ وَهُمْ في ذَلكَ يَنْتَظرونَ نَصَيبَهُمْ مِنَ الصَّدَقَاتِ غَنيُّهُمْ وَفَقِيرُهُمْ، فَلَمَّا أَزِفَ خُرُوجُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - أَكثَرُوا الاستئذان وَشَكَوْا شِدَّةَ الْحَرِّ وَخَافُوا، زَعَمُوا الْفِتْنَةَ إِنْ غَزَوْا وَيَحْلفُونَ بِالله عَلَى الْكَذِب، فَجَعَلَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - يَأذَنُ لَهُمْ مَا يَدْرِى مَا في أَنْفُسِهِمْ، وَبَنَى طَائفَةٌ مِنْهُمْ مَسْجدَ النِّفَاقِ يَرْصُدُونَ بهِ الْغَائِبِينَ (* * *) أَبَا عَامِرٍ وَهُوَ عِنْدَ هِرَقْل قَدْ لَحِقَ بِهِ وَكنَانَةَ بْن عَبد يَالِيل وَعَلقَمَةَ بْنَ عُلاَثَةَ الْعَامِرِىَّ وَسُورَةُ بَرَاءَة تَنْزِلُ في ذَلِكَ أَرْسَالًا، وَنَزَلَتْ فِيهِ (* * * *) آيَةٌ لَيْسَتْ فِيْهَا رخصَةٌ لِقَاعدٍ، فَلَمَّا أَنْزَلَ الله (انْفِرُوا خفَافًا وَثقَالًا) اشْتَكَى الضَّعيفُ النَّاصِحُ لله وَلِرَسُولِهِ وَالْمَرِيضُ وَالْفَقيرُ إِلَى رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - وَقَالُوا: هَذَا أَمْرٌ لاَ رُخْصَةَ فيه وَفِى الْمُنَافِقِينَ ذُنُوبٌ مَسْتُورَةٌ لَمْ تَظهَرْ حَتَّى كَانَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَتَخَلَّفَ رِجَالٌ غَيْرُ مُسْتَيْقِنيْنَ وَلاَ ذَوِي عُذْر، وَنَزَلَتْ هَذه السُّورَةُ بالتِبْيَان (* * * * *). وَالتَّفْصِيلِ في شَأنِ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم - بِمَن (* * * * * *) اتَّبعَهُ حَتَّى بَلَغَ تَبُوك فَبَعَثَ مِنْهَا عَلقَمَةَ بْنَ محرز (* * * * * * *). الْمُدْلَجىَّ إِلَى فِلَسْطينَ، وَبَعَثَ خَالِدًا بْنَ الْوَليد إِلَى دَوْمَة الْجَنْدَل فَقَالَ: أَسْرعْ لَعَلَّكَ أَنْ تَجدَهُ خَارِجًا يَقْتَنِصُ فَتَأخُذَه، فَوَجَدَهُ فَأَخَذَهُ وَأَرجَفَ الْمُنَافِقُونَ في الْمَدِينَةِ بِكُلِّ خَبَر سُوءٍ فَإِذَا بَلَغَهُمْ أَنَّ
¬__________
(*) الرزق.
(* *) بصاع.
(* * *) الفاسِق.
(* * * *) فيها.
(* * * * *) بالبيان.
(* * * * * *) تَخبِر بِنَبأ من.
(* * * * * * *) محيزر.

الصفحة 23