كتاب الجامع لعلوم الإمام أحمد (اسم الجزء: 21)

وأدخل بعض أهل العراق على مالك بن أنس، فقال: إذا جعلت الحيض يومًا واحدًا وأقل وأكثر. فإذا طلقها زوجها فقد انقضت عدتها في أيام قلائل. فقال: إن حكمها في الطلاق أن تربص أقصى أيام أقرائها قبل أن تبتلى بالاستحاضة.
فإن قالوا: قد جعلت حُكمين للمستحاضة. حُكمًا للطلاق على حدة، وحكمًا للصلاة على حدةٍ! قيل لهم: إنما تنكرون على من اتبع السنة وقلدها مثل ما تأبون، وكيف جاز لك أن تنكر على مالك وأهل المدينة ومن سلك طريقهم وتمييزهم إذ أشكل عليهم شأن المستحاض بين وقت الصلاة ووقت عدة الطلاق، وقد قلتم بأجمعكم: لو أن امرأة كان حيضها خمسة أيام ثم رأت الشهر الثاني ستة أيام والشهر الثالث سبعة أيام أجزنا لها الصلاة بأقل أيام أقرائها، وفي عدة الطلاق بأقصى أيام أقرائها. فهل هذا التمييز منكم بعقولكم إلا مثل ما أنكرتم على مالك بن أنس وأهل المدينة، حيث فرقوا بين حُكم الصلاة والطلاق. بل هم أشد اتباعًا واستقصاءً وحيطة منكم؛ حيث ردوا حكم المستحاضة إذا اختلط إلى ما أشبه الكتاب والسنة. جعل السنة عدة المطلقات ثلاثة قروء، وجعل لمن لم يكن لها قرؤ شهرًا بدل كل قرؤ. فمن هنا حكموا.
قال أبو يعقوب: ولا تكون المستحاضة حائضًا أبدًا؛ وسماها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مستحاضة، وبين لها الأيام كما بين للحائض الطهارة من الدم، وهي أن تقعد قدر أيام حيضها من أيام استحاضتها لا تصوم ولا تصلي. فإذا كان أقراؤها متفاوتًا كان الاحتياط لها أولى عند أهل العلم، إذا لم يكن عندها يقين وجهلت ما بين لها النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- من أيام الأقراء، فلا تعلم على أي دميها معنى قول النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- أيام أقرائها.
قال أبو يعقوب: والنساء في أيام أقرائهن يحضن في أول الشهر مرة، في أوسطه مرة أخرى، وفي آخر الشهر كذلك، ينتقلن في الشهور على ما وصفنا لا يقدر عالمٌ أن ينكر ما وصفنا من انتقالهن، وهن مؤتمنات مصدقات على ما أخبرن عن أنفسهن ما لم يعلم أنهن قلن ما لا تحيض النساء في مثله. وأمرهن في الاستحاضة كأمرهن في الحيض إذا ادعين من ذلك ما يكون من النساء، مع

الصفحة 64