كتاب مرآة الزمان في تواريخ الأعيان (اسم الجزء: 21)

وكان الوزير مُمَدَّحًا، ورُزِقَ من الشُّعراء ما لم يُرْزقه أحد، قال صاحب الخبر ابن المهتدي: جمعتُ من القصائد التي مُدِحَ بها ما يزيد على مئتي ألف قصيدة، في مجلَّدات، فلما بِيعت كتُبُه اشترى المدائحَ بعضُ الأكابر، فغسلَها جميعًا.
ومن شعر الوزير رحمه الله: [من الطويل]
تَمَسَّكْ بتقوى الله فالمرء لا يبقى ... وكلُّ امرئٍ ما قدَّمَتْ يدُه يَلْقى
ولا تظلِمَنَّ النَّاسَ ما في يديهِمُ ... ولا تذكُرَنْ إفكًا ولا تحسُدَنْ خَلْقا
ولا تقربَنْ فِعْلَ الحرام فإنَّما ... لذاذتُه تفنى وأنتَ به تَشْقى
وعاشِرْ إذا عاشَرْتَ ذا الدِّين تنتفعْ ... بصُحبتِهِ واحْذَرْ معاشرةَ الحَمْقى
ودارِ على الإطلاق كُلًّا ولا تكن ... أخا عَجَلِ في الأمر واسْتَعْمِلِ الرِّفْقا
وخالِفْ حظوظَ النَّفْس فيما ترومه الـ ... أماني ولا تستعظمنَّ لها الصّدقا
تعوَّدْ فِعال الخير جَمْعًا فكلَّما ... تَعَوَّده الإنسانُ صار له خُلْقا (¬1)
وقال الأبله (¬2) يمدحه: [من الكامل]
لله من يحيى الوزيرِ عزيمةٌ ... بقوى النَّوائب والسُّيوفُ نوابِ
طَلقُ اليدينِ سماحةً وسِلاحُهُ ... هُلْكُ البُغاةِ وبُغْيةُ الطُّلَّاب
غَيثٌ تَفَهَّقَ للعُفاةِ وعَوْذُه ... ليثٌ تقهقر عند ليثِ الغاب (¬3)
ولَّاجُ أنديةِ المكارم والنَّدى ... قَرَّاح (¬4) خُطْبٍ قادح بخطابِ
هذا وربَّ كتيبةٍ مَلْمُومةٍ ... شَعْراءَ فَرَّق شَمْلَها بكتابِ
جانبتُ أَفْنية اللِّئام ولذتُ من ... يحيى بأخصبِ مَرْتَعٍ وجَنَابِ
بجناب مِتْلافٍ إذا حُسِبَ النَّدى ... ألفيتَ نائِلَهُ بغير حساب
وقال يهجوه: [من الكامل]
يا قاصدًا بغدادَ جُزْ عن بلدةٍ ... الجَوْرُ فيها زَخْرَةٌ وعُباب
¬__________
(¬1) الأبيات في "خريدة القصر" قسم شعراء العراق: 2/ 99 - 100.
(¬2) هو محمد بن بختيار، وستأتي ترجمته سنة (579 هـ).
(¬3) معنى الشطر الثاني لم يتضح لي.
(¬4) من اقترح خطبة: ارتجلها، "معجم متن اللغة": 4/ 524. وسكنت الطاء في خطب لضرورة الشعر.

الصفحة 66