كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 21)

فَإِنَّهُ من فعل أهل الريب، وَيكرهُ أَن يفعل شَيْئا يظنّ بِهِ الرِّيبَة.
وَقَالَ أنَسٌ: عَصَّبَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم عَلى رَأسِهِ حاشِيَةَ بُرْدٍ.
هَذَا أَيْضا طرف من حَدِيث أخرجه فِي الْبَاب الْمَذْكُور فِي مَنَاقِب الْأَنْصَار من طَرِيق هِشَام بن زيد بن أنس: سَمِعت أنس بن مَالك يَقُول فَذكر الحَدِيث، وَفِيه: فَخرج النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقد عصب على رَأسه حَاشِيَة برد. قَوْله: (عصب) بتَشْديد الصَّاد، وَقَالَ الْجَوْهَرِي: حَاشِيَة الْبرد جَانِبه، وَقَالَ الْقَزاز: حَاشِيَة الثَّوْب ناحيتاه اللَّتَان فِي طرفهما المهدب، وَاعْترض الْإِسْمَاعِيلِيّ بِأَن مَا ذكره من الْعِصَابَة لَا يدْخل فِي التقنع لِأَن التقنع تَغْطِيَة الرَّأْس والعصابة شدّ الْخِرْقَة على مَا أحَاط بالعمامة، وَأجَاب بَعضهم بقوله: الْجَامِع بَينهمَا وضع شَيْء زَائِد على الرَّأْس فَوق الْعِمَامَة، قلت: فِي كل من الِاعْتِرَاض وَالْجَوَاب نظر، أما فِي الِاعْتِرَاض فَلِأَن قَوْله: والعصابة شدّ الْخِرْقَة على مَا أحَاط بالعمامة، لَيْسَ كَذَلِك، بل الْعِصَابَة شدّ الرَّأْس بِخرقَة مُطلقًا، وَأما فِي الْجَواب فَلِأَن قَوْله: زَائِد، لَا فَائِدَة فِيهِ، وَكَذَلِكَ قَوْله: فَوق الْعِمَامَة لِأَنَّهُ يلْزم من أَنه إِذا كَانَت تَحت الْعِمَامَة لَا تسمى عِصَابَة.

5807 - حدّثنا إبْراهِيمُ بنُ مُوساى أخبرنَا هِشامٌ عنْ مَعْمَرٍ عنِ الزُّهْرِيِّ عنْ عُرْوَةَ عنْ عائِشَةَ رَضِي الله عَنْهَا قالَتْ: هاجَرَ إِلَى الحَبَشَةِ رجالٌ مِنَ المُسْلِمِين وتَجَهَّزَ أبُو بَكْرةٍ مُهاجِراً فَقَالَ النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: عَلى رِسْلِكَ! فإِنِّي أرْجُو أنْ يُؤْذَنَ لِي. فَقَالَ أبُو بَكْرٍ أوْ تَرْجُوهُ بِأبِي أنْتَ وأُُمِّي؟ قَالَ: نَعَمْ، فَحَبَسَ أبُو بَكْرٍ: نَفْسَهُ عَلى النبيِّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم ليَصْحَبَهُ، وعَلَفَ راحِلَتَيْنِ كانَتا عِنْدِه ورَقَ السَّمُرِ أرْبَعَةَ أشْهُرٍ، قَالَ عُرْوَةُ: قالَتْ عائِشَةُ: فَبَيْنا نَحْنُ يَوْماً جُلُوسٌ فِي بَيْتِنا فِي نَحْرِ الظَّهِيرَةِ، فَقَالَ قائِلٌ لأبي بَكْرٍ: هاذا رسُولُ الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُقْبِلاً مُتَقَنِّعاً فِي ساعَةٍ لَمْ يَكُنْ يَأتِينا فِيها، قَالَ أبُو بَكْرٍ: فِداً لهُ بِأبي وأُمِّي، وَالله إنْ جاءَ بِهِ فِي هاذِهِ السَّاعَةِ إلاَّ لِأمْرٍ، فَجاءَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فاسْتَأذَنَ فأذِنَ لِهُ فَدَخَلَ فَقَالَ حِينَ دَخَلَ لِأبِي بَكْرٍ: أخْرِجْ مَنْ عِنْدَكَ. قَالَ إنَّما هُمْ أهْلُكَ بِأبِي أنْتَ يَا رسولَ الله، قَالَ: فإِنِّي قَدْ أذِنَ لِي فِي الخُرُوجِ. قَالَ: فالصُّحْبةُ بِأبِي أنْتَ يَا رسولَ الله؟ قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: فَخُذْ بِأبِي أنْت يَا رسولَ الله إحْدَى راحلَتَيَّ هاتَيْنِ، قَالَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: بالثَّمَنِ. قالَتْ: فَجهَّزْناهُما أحَثَّ الجهَازِ ووضَعْنا لَهُما سُفْرَةٍ فِي جِرابٍ. فَقَطَعَتْ أسْماءُ بِنْتُ أبي بَكْرٍ قِطْعَةٍ مِنْ نِطاقِها فأوْكَتْ بِهِ الجِرَابَ ولِذالِكَ كانَتْ تسمَّى: ذاتَ النِّطاقَينِ ثُمَّ لَحقَ النبيُّ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وأبُو بَكْرٍ بِغارٍ فِي جَبَلٍ يُقالُ لهُ: ثَوْرٌ، فَمَكَثَ فِيهِ ثَلاثَ لَيال يَبِيتُ عِنْدَهُما عبْدُ الله بنُ أبي بَكْرٍ وهْو غُلامٌ شابٌّ لَقِنٌ ثَقِفٌ فَيَرْحَلُ مِنْ عِنْدِهِما سَحَراً فَيُصْبِحُ مَعَ قُرَيْشٍ بِمَكَةَ كبَائِتٍ فَلا يَسْمَعُ أمْراً يُكادانِ بِهِ إلاَّ وَعاهُ حتَّى يَأتِيَهُما بِخَبَرِ ذالِكَ حِينَ يَخْتَلِطُ الظلامُ، ويَرْعَى عَليْهِما عامِرُ بنُ فُهَيْرَةَ مَوْلى أبي بَكْرٍ مِنْحَةً مِنْ غَنَمٍ فَيُرِيحُها عَليْهِما حِينَ تَذْهَبُ ساعَةٌ مِنَ العشاءِ فَيَبِيتانِ فِي رِسْلِها حَتَّى يَنْعِقَ بهَا عامرُ بنُ فُهَيْرَةَ بِغَلَسٍ يَفْعَلُ ذالِكَ كُلَّ لَيْلَةٍ من تِلْكَ اللَّيالِي الثَّلاثِ.
مطابقته للتَّرْجَمَة فِي قَوْله: (هَذَا رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مُقبلا متقنعاً) .
وَهِشَام هُوَ ابْن يُوسُف، وَمعمر بن رَاشد.
والْحَدِيث بِعَين هَذَا الْإِسْنَاد مضى فِي الْإِجَارَة مُخْتَصرا فِي: بَاب اسْتِئْجَار الْمُشْركين عِنْد الضَّرُورَة، وَمضى أَيْضا فِي: بَاب هِجْرَة النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مطولا جدا أخرجه عَن يحيى بن بكير عَن اللَّيْث عَن عقيل، قَالَ ابْن شهَاب: فاخبرني عُرْوَة بن الزبير أَن عَائِشَة رَضِي الله عَنْهَا إِلَى آخِره وَمضى الْكَلَام فِيهِ.
قَوْله: (هَاجر إِلَى الْحَبَشَة رجال من الْمُسلمين) ، ويروى: هَاجر إِلَى الْحَبَشَة

الصفحة 309