كتاب التوضيح لشرح الجامع الصحيح (اسم الجزء: 21)

من نصبه في الدعاء والتضرع حتى سقط الرداء عن منكبيه، فقال له: بعض هذا يا رسول الله، أي: لم تتعب نفسك هذا التعب والله قد وعدك بالنصر، وكان الصديق رقيق القلب شديد الإشفاق على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ثم نقل السهيلي عن شيخه أبي بكر أنه - صلى الله عليه وسلم - كان في مقام الخوف، وصاحبه في مقام الرجاء (¬1).
قال ابن الجوزي: ولما رأى ما بأصحابه من الهم ناب عنهم في الدعاء، لعلمه بإجابة دعائه فألح لذلك، وقال غيره: لما رأى الملائكة في القتال، وكذا أصحابه. والجهاد ضربان: بالسيف وبالدعاء، ومن سنة الإمام أن يكون وراء الجيش لا يقاتل معهم، فلم يكن لتستريح نفسه من أحد الجهادين، وفي "مغازي الواقدي" أن عبد الله بن رواحة لما دعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال: يا رسول، أنت أعظم وأعلم بالله من أن أشير عليك، إن الله أعظم من أن تنشد وعده فقال: "يا ابن رواحة: إنما أنشد الله وحده، إن الله لا يخلف الميعاد" (¬2).
¬__________
(¬1) "الروض الأنف" 3/ 46 - 47.
(¬2) رواه الطبراني في "المعجم الكبير" 4/ 174.

الصفحة 27