كتاب كشف النقاب عما في «كلمات» أبي غدة من الأباطيل والافتراءات

أتباعهم، وفيه التصريح بإقرار الانتساب بشرط إيثار الحديث على التقليد وأستطيع أن ألخص ذلك هنا بما يلي:
إن الانتساب إلى أحد من الأئمة كوسيلة للتعرف على ما قد يفوت طالب العلم من الفقه بالكتاب والسنة، أمر لا بد منه شرعًا وقدرًا، فإن ما لا يقوم الواجب إلا به فهو واجب، وعلى هذا جرى السلف والخلف جميعًا، يتلقى بعضهم العلم عن بعض، ولكن الخلف -إلا قليلًا منهم- خالف السلف حين جعل الوسيلة غاية، فأوجب على كل مسلم مهما سما في العلم والفقه عن الله ورسوله من بعد الأئمة الأربعة أن يقلد واحدًا منهم، لا يميل عنه إلى غيره كما قال أحدهم: وواجب تقليد حبر منهمُ.
ونتج من ذلك أن يتعصب كل منهم لمذهبه، دون أن يتذكروا أن اتباع المذهب وسيلة، وأن الغاية اتباع الكتاب والسنة، فأصبحت الغاية عندهم نسيًا منسيًّا، وجعلوا القرآن وراءهم ظهريًّا، وتمسكوا بالمذهب وتدينوا به، وتعصبوا له على السنة الصحيحة، فكلما جئت أحدهم بحديث صحيح أعرض عنه ونأى بجانبه، ومن العجائب أن بعضهم يبرر ذلك بقوله: «نحن أسراء النصوص» يعني أقوال العلماء على ما بينها من تعارض واختلاف في المذهب الواحد فضلًا عن المذاهب الأخرى.
فقلنا: ونحن كذلك ولكن بفارق كبير، نحن أسراء النصوص المعصومة من الكتاب والسنة، والمحفوظة عن الاختلاف والاضطراب {وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا} وأما أنتم فأسراء النصوص المختلفة والمضطربة اختلافًا كثيرًا يحار الخريت منكم في الفقه التقليدي في التوفيق بينها أو ترجيح وجه من وجوه

الصفحة 52