كتاب فتح رب البرية بتلخيص الحموية

ومن أدلة السنة قوله صلّى الله عليه وسلّم - وهو يعرض نفسه على الناس في الموقف -: "ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي؛ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عزّ وجل" (¬1) .
وقوله صلّى الله عليه وسلّم للبراء بن عازب: "إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت" (¬2) .

وقال عمرو بن دينار: "أدركت الناس منذ سبعين سنة، يقولون: الله الخالق وما سواه مخلوق، إلا القرآن فإنه كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود" (¬3) . اهـ.

ومعنى قولهم: "منه بدأ"؛ أن الله تكلم به ابتداء، وفيه رد على الجهمية القائلين: بأنه خلقه في غيره.

وأما قولهم: "وإليه يعود"؛ فيحتمل معنيين:

أحدهما - أنه تعود صفة الكلام بالقرآن إليه، بمعنى: أن أحداً لا يوصف بأنه تكلّم به غير الله؛ لأنه هو المتكلّم به، والكلام صفة للمتكلّم.

الثاني - أنه يرفع إلى الله تعالى كما جاء في بعض الآثار أنه يسري به من المصاحف والصدور، وذلك إنما يقع - والله أعلم -
¬_________
(¬1) -رواه أبو داود (4734) كتاب السنة، باب في القرآن.

والترمذي (2925) كتاب فضائل القرآن، 24 - باب.

والنسائي في "الكبرى" (7727) .

وابن ماجه (201) كتاب المقدمة، 13 - باب فيما أنكرت الجهمية.

وأحمد (3/390) ؛ والحاكم (2/669) وصححه.

وقال في "المجمع" (6/35) : رجاله ثقات.
(¬2) -رواه البخاري (247) كتاب الغسل، 75 - باب فضل من بات على الوضوء.

ومسلم (2710) كتاب الذكر والدعاء، 17 - باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع.
(¬3) -انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (10/43، 205) ؛ و"التمهيد" لابن عبد البر (24/186) .

الصفحة 79