كتاب السنة في مواجهة الأباطيل

وقوله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» (¬1).
وقوله: «خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ» (¬2).
وقوله: «لِيُبَلِّغِ الشَّاهِدُ الْغَائِبَ» (¬3).

فلو لم تكن السُنَّة شرعًا ودينًا لما حرص الصحابة والتابعون على حفظها ولما ضربوا أكباد الإبل لسماعها وحفظها وتدوينها وجمعها، يَقُولُ أَنَسٌ - رَضِيَ اللهُ عَنْهُ -: «كُنَّا نَكُونُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَسْمَعُ مِنْهُ الحَدِيثَ فَإِذَا قُمْنَا نَتَذَاكَرُهُ فِيمَا بَيْنَنَا حَتَّى نَحْفَظُهُ» (¬4). ويقول أبو هريرة: «إِنِّي لأُُجَزِّئُ اللَّيْلَ ثَلاَثَةَ أَجْزَاءٍ: فَثُلُثٌ أَنَامُ، وَثُلُثٌ أَقُومُ، وَثُلُثٌ أَتَذَكَّرُ أَحَادِيثَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسلَّمَ» (¬5). وهذا سعيد بن المسيب يقول: «كُنْتُ أَرْحَلُ الأَيَّامَ وَاللَّيَالِي فِي طَلَبِ الحَدِيثِ الوَاحِدِ» قِيْلَ لِلشَّعْبِيِّ: «مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا العِلْمِ كُلُّهٌ؟ قَالَ: " بِنَفْيِ الاغْتِمَادِ (*)، وَالسَّيْرِ فِي البِلاَدِ، وَصَبْرٍ كَصَبْرِ الجَمَادِ (*)، وَبُكُوْرٍ كَبُكُوْرِ الغُرَابِ» (¬6).

فلو لم تكن السُنَّةُ شرعًا ودينًا لما حرصوا عليها هذا الحرص ولما تحمَّلوا مشاق السفر في سبيلها ولما أصبحت جزءًا من حياتهم اليومية ولما قال - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ -: «عَلَيْكُمْ بِسُنَّتِى وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ» (¬7).
¬__________
(¬1) الحديث رواه البخاري: 1/ 155.
(¬2) و (¬3) سبق تخريجهما. [حديث «خُذُوا عَنِّى مَنَاسِكَكُمْ» انظر ص 15 والحديث الثاني: «فَلْيُبْلِغْ الشَّاهِدُ مِنْكُمْ الْغَائِبَ، فَرُبَّ مُبَلِّغٍ أَوْعَى مِنْ سَامِعٍ» انظر ص 17 و 56].
(¬4) رواه الخطيب في الجامع لأخلاق الراوي، انظر أصول الحديث لمحمد عجاج الخطيب
(¬5) رواه الدارمي في " سُننه ": 1/ 82.
(*) [ورد كذلك: «بِنَفْيِ الاغْتِمَامِ» و «وَصَبْرٍ كَصَبْرِ الحَمَامِ» انظر " سير أعلام النبلاء " للذهبي، تحقيق الشيخ شُعَيْب الأرناؤوط، الطبعة: الثالثة، 1405 هـ / 1985 م، نشر مؤسسة الرسالة: 4/ 300].
(¬6) ذكر المؤلف في الهامش المصدر الذي استقى منه قوله الشعبي: " البداية والنهاية " لابن كثير: 9/ 100 [بحثت في هذا المصدر فلم أجد مقولة الشعبي هذه. انظر " سير أعلام النبلاء ": 4/ 300].
(¬7) رواه أبو داود: 5/ 13. وابن ماجه: 1/ 16. والدارمي: 1/ 43. وأحمد: 4/ 126، 127. كلهم عن العرباض بن سارية ورواه الترمذي: 7/ 438. وقال: حسن صحيح.

الصفحة 111