كتاب السنة في مواجهة الأباطيل

أي أهل العلم بدين الله وشرعه، ولا شك أنَّ الله كما حفظ كتابه حفظ سُنَّة نبيِّه - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - بما تهيأ لها من أئمة العلم يحفظونها ويتناقلونها ويتدارسونها ويُميِّزون صحيحها من دخيلها (¬1).

وذكر الذهبي أَنَّ الرَّشِيْدَ أَخَذَ زِنْدِيقاً لِيَقْتُلَهُ، فَقَالَ الرَّجُلُ: «أَيْنَ أَنْتَ مِنْ أَلْفِ حَدِيْثٍ وَضَعْتُهَا ? فَقَالَ الرَّشِيْدُ: فَأَيْنَ أَنْتَ يَا عَدُوَّ اللهِ مِنْ أَبِي إِسْحَاقَ الفَزَارِيِّ، وَابْنِ المُبَارَكِ يَتَخَلَّلاَنِهَا، فَيُخْرِجَانِهَا حَرْفاً حَرْفاً». وقيل لابن المبارك: هَذِهِ الأَحَادِيثُ المَوْضُوعَةُ [المَصْنُوعَةُ]؟ فقال: «يَعِيشُ لَهَا الجَهَابِذَةُ» (¬2).

وقد رَدَّ ابن حزم على من زعم أنَّ المُرَادَ بالذكر في الآية وحده فقال: «هذه دعوى كاذبة مجردة من البرهان وتخصيص للذكر بلا دليل ... والذكر اسم واقع على كل ما أنزل الله على نبيه - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من قرآن أو من سُنَّةٍ وحي يُبَيَّنُ بها القرآن وأيضًا فإن الله تعالى يقول {بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [النحل: 44] فصح أنه - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - مأمور ببيان القرآن للناس، وفي القرآن مجمل كثير كالصلاة والزكاة والحج وغير ذلك مِمَّا لا نعلم ... فإذا كان بيانه - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - لذلك المُجْمَلِ غير محفوظ ولا مضمون سلامته مِمَّا ليس منه فقد بطل الانتفاع بنص القرآن، فبطلت أكثر الشرائع المفترضة علينا فيه فإذا لم ندر صحيح مراد الله تعالى منه» (¬3).

الشُبْهَهُ الثالثة:
قالوا: لو كانت السُنَّة حُجَّةً لأمر النبي - عَلَيْهِ الصَلاَةُ وَالسَّلاَمُ - بكتابتها ولعمل الصحابة والتابعون على جمعها وتدوينها، لكن لما ثبت أَنَّ
¬__________
(¬1) " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 156، 157.
(¬2) " السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي ": ص 251. وانظر " تهذيب التهذيب ": 1/ 152 و " فتح المغيث ": ص 109.
(¬3) " الأحكام " لابن حزم: 1/ 121.

الصفحة 95