كتاب علوم الحديث ومصطلحه (اسم الجزء: 1)

أَسْبَابُ قِلَّةِ الكِتَابَةِ فِي حَيَاةِ الرَّسُولِ - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -:
وَأَيًّا ما تكن معرفة العرب للكتابة قُبيل الإسلام، فَإِنَّ الكاتبين كانوا أكثر عَدَدًا في مكة منهم في المدينة، يشهد لذلك أَنَّ رسول الله - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أذن لأسرى «بدر» المكيين بِأَنْ يفدي كل كاتب منهم نفسه بتعليم عشرة من صبيان المدينة الكتابة والقراءة (¬1). وحسبنا أَنَّ كَتَبَةَ الوحي بين يدي الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بلغ عددهم أربعين رَجُلاً (¬2)، وأنَّ كَثِيرًا منهم كانوا مَكِيِّينَ، وهم الذين كتبو القسم المكي من القرآن قبل هجرته - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - إلى المدينة. بَيْدَ أَنَّ المسلمين ما كادوا يَسْتَقِرُّونَ في المدينة حتى بُدِّلَتْ الحال غير الحال، فكثر فيهم الكاتبون مُذْ أنشأ الرسول - صَلََّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في مسجده صُفَّةً كَانَ الكَاتِبُ المُحْسِنُ عبد الله بن سعيد بن العاص يُعَلِّمُ فيها الراغبين الكتابة والخط (¬3). وأكبر الظن أَنَّ المساجد التسعة التي كانت بالمدينة على عهد رسول الله - عَلَيْهِ السَّلاَمُ - (¬4) اتخذت مدارس لنشر العلم، يزيدنا اعْتِقَادًا بهذا أَنَّ رسول الله كان يأمر الصبيان أَنْ يتدارسوا في مسجد حَيِّهِمْ (¬5). ومن المعلوم أَيْضًا أَنَّ الرسول
¬__________
(¬1) انظر " الروض الأُنُف " على سيرة ابن هشام لِلْسُّهَيْلِي: 2/ 92 و" طبقات " ابن سعد: 2/ 1 ص 14.
(¬2) راجع كتابنا " مباحث في علوم القرآن ": ص 66. ط 2.
(¬3) " الاستيعاب في أسماء الأصحاب " لابن عبد البر: 2/ 366 «هامش " الإصابة " لابن حجر، ط. مصطفى محمد سَنَةَ 1358» وعبارة ابن عبد البر: «وَأَمَرَهُ - أَيْ أَمَرَ النَّبِيُّ عَبْدَ اللهِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ العَاصِ - أَنْ يُعَلِّمَ الكِتَابَةَ بِالمَدِينَةِ، وَكَانَ كَاتِبًا مُحْسِنًا».
(¬4) " أنساب الأشراف " (مخطوطة القاهرة): 1/ 420 «ذكره حميد الله، " صحيفة همام ": ص 6 حاشية د».
(¬5) راجع " التراتيب الإدارية " للكتاني: 1/ 41.

الصفحة 17